زوجتي وأبناؤها من زوجها الأول

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

نشكرُكم على تواصلكم معنا، وثقتكم في شبكة الألوكة.

سؤالُك: "أرجو إفادتي ونصحي: هل مِن حقها تقديم رضاهم علي وعصياني؟".

قبل أن نُجيب دَعْنا نتطرَّق لجذر المشكلة بينك وبين زوجتك (التي هي ابنة عمك)؛ حيث تذكرُ عن نفسك بأنك شديدُ الغَيرة، وهذا الأمر انعكس سلبًا على مواقفك منها حيال بعض التصرُّفات؛ كحضور عرس إحدى بناتها!

لا شك أن الغيرة محمودة، لكن شدتها وتطرُّفها غير محمود، فالغَيرة إذا زادتْ عن حدِّها انقلبتْ إلى ضدِّها، ومن ثَم فأوَّل خطأ يمكن رصدُه هو الخطأ الذي يتعلق بك أنت، وهو (الغَيرة الزائدة)، فلا يصلح أن تمنعها من حضور عرس ابنتها التي هي بضعةٌ منها، وإن سألتَ أي شخص في الشارع: هل يصلح أن يمنعَ الزوج زوجته مِن حضور عرس ابنتها بدافع الغيرة الشديدة؟

فلا شك أن اللوم سيتوجَّه على الزوج بشكل أساسي؛ فالمطلوب أن يُعالج الرجل شدة الغيرة، لا أن يمنع زوجته حقًّا مِن حقوقها، وهو وَصْل رحمها التي هي ابنتها، وأعظم وصل لها ليس في زيارتها بعد زواجها، وإنما مشاركتها يوم زفافها وفرحة عمرها!

إذًا فالملحظ الأول هو أنه يجب عليك معالجة شدة الغيرة.

الملحظ الثاني: اعتداد زوجتِك بنفسها، وحضورها المناسبات العائلية التي قد يكون أهل زوجها السابق حاضرين فيها، وهذا الأمر ينبغي أن تنظر إليه بشكل إيجابي لا سلبي، وذلك أنه ينبغي أن تُعطي زوجتَك الثقةَ اللازمة بها، ومهما حضرت من حفلات ومناسبات فهي محصنة ضد التأثيرات السلبية التي قد يُتوهَّم حصولها، وزوجتك تمارِسُ هذا الدورَ بشكل فطري، فهي تذهب لهذه المناسبات إذا دُعيت إليها غير مبالية بحياتها الزوجية السابقة، وكأن لسان حالها يقول للناس: أنا لا أكترثُ بما كنتُ عليه سابقًا، فذلك أمر لا يعنيني، فأنا أتعامل مع هذا الحال كأنني لم أتزوج مِن قبلُ! ومن ثَم فموقفها صحيح تمامًا.

وحتى تُدرك صحة هذا الموقف تخيَّل لو أنها لم تتزوجْ مِن قبل وذهبت لهذه الأسرة، هل كنتَ ستمنعُها؟

غالب الظن أنك لن تمنعها، فكذلك الحال هنا، هي تتعامل معهم على أساس أنها بدأت حياةً جديدة لا عَلاقة لها بالحياة السابقة، فهي تستخدم مبدأ المواجهة بدلًا عن مبدأ الانزواء والانطواء؛ لذلك نرى أن تُشجِّعها على هذا الأسلوب، ما دامتْ هذه المشاركات ليس فيها معصيةٌ أو ما يُغضب الله تعالى.

نُعيد التذكير مرة أخرى: سماحُك لها بالمشاركة في اجتماعات عائلية فيها أسرة زوجها السابق - يدل على ثقتِك بزوجتك، وأن العَلاقة والحب بينكما أقوى مِن أن تتمكَّن هذه الأسرة أو تلك من فصمِ عُراها بينكما.

أما موضوع: (أنها تُقدِّم حب أبنائها وبناتها عليك)، فاسمَحْ لي أن أهمس في أذنك مرة أخرى بأن هذا الكلام غيرُ صحيح؛ للأسباب التالية - حتى لو صرَّحت هي بذلك -:

الأول: أنها تريد أن تبنيَ ثقتَها بنفسها، وألا تظهرَ أمام أسرة زوجِها السابق بمظهر الضعف والحسرة والندم على فراقه!

الثاني: أنها لا تسمحُ لنفسها أن تُفرِّق بين أبنائها وبناتها مِن زوجها السابق ومن زوجها اللاحق (الذي هو أنت)، ولا أظن أنك تقبل هذا التفريق أيضًا.

الثالث: أن الوالدين عادةً ما يضحيان بأنفسهما مِن أجل أبنائهما، فهي ترى أنه يجب عليك أن تُضحِّيَ من أجل أبنائك، لا أن تكونَ مفرطًا معهم، ومن ثَم فالمفاضَلةُ بين الآباء والأبناء هنا لا معنى لها، ما دام الآباءُ يُضحون بأنفسهم مِن أجل أبنائهم.

لذلك لا نرى مبررًا للطلاق أو الفراق، بالعكس فزوجتُك تتميَّز بصفات إيجابية وثقة عالية بنفسها، والمطلوبُ أن تقفَ بجانبها، وأن تُعزِّز هذه الثقة فيها، لا أن تقف في طريقها وأن تقتُلَ ثقتها بنفسها.

نحن نعلم تمامًا أن لكل فعلٍ ردَّ فعل، لذلك قد تحصل أخطاءٌ من الزوجة تجاه زوجها كردِّ فعلٍ لبعض المواقف التي تُبديها أنت، والمطلوب في الحياة الزوجية هو التغافل والتغافر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كرِه منها خُلقًا رضِي منها آخر))؛ رواه مسلم، ويقول الله عز وجل: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

نسأل الله تعالى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يزودك التقوى

والله الموفق