شخص يلاحقني على الإنترنت ويَنال مِن عرضي

بسم الله الموفق للصواب

وهو المستعان

"المؤمن لا يشفي غيظه"، قاله سعيد بن سليمان؛ "المنتظم"؛ ابن الجوزي

أيتها العزيزة، يقول ميخائيل نعيمة في كتابه "دروب": "إنك لو بحثت عن أي خصام يقوم في الأرض، سواء أكان بين فردين، أم عصبتَيْن، أم دولتَيْن، أم مجموعتَيْن من الدول - لوجدته يعود في الأساس إلى صغارة في نفوس المختصمين، فما اختَصَم اثنان إلا لأن صدر الواحد قد ضاق بالآخر، والصدر يضيق أو يتَّسع على قدر ما تصغر النفس أو تكبر، ففي حين أن النفس الصغيرة تضيق بالكبيرة فتناصبها العداء، تتَّسع الكبيرة للصغيرة، فتقابلها إما بالصفح وإما باللا مبالاة، لذلك كان صغار النفوس مبعث الفساد والقلق في الأرض، وكان كبار النفوس ملح الأرض وخميرتها، والواحات الندية النضرة في صحاريها".

فدَعِي صغير النفس يعمل عمله في إثقال ميزان حسناتك بالصبر على أذاه، فأنتِ وأنا وهو وهي بحاجة إلى الحسنات، وهذا الرجل يعطيك من حسناته ما عجزت عن جمعه لسنوات! وإن أنت أجبت عليه كنتِ قد أعطيته وزنًا لا يستحقه، وإن كنت بذلك تكونين قد شفيت غيظك منه! ولكن رد القبيح بالقبيح لا يشفي!

مَتَى تُرِدِ الشِّفَاءَ لِكُلِّ غَيْظٍ تَكُنْ مِمَّا يَغِيظُكَ في ازْدِيادِ

فلا تنزلي إلى مستواه، ويكفيك في هذه المحنة الفَزَع إلى الله - عز وجل - حين قلتِ: "حسبي الله ونعم الوكيلُ"، فهو ملاذك وملاذُ كلِّ مَن أوذي في الله وصبَر؛ ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].

واجعلي مِن قذفه لكِ ولوالديكِ الكريمَيْن وأخواتك الفاضلات صدقةً جاريةً، كما في حديث أبي ضمضم: "اللهم إنِّي تصدَّقتُ بعِرضي على عبادك".

أما خروجك من المنتدى فهو عيْنُ الصواب، ونشاطك الدعوي لن يتوقَّف بتَرْك هذا المنتدى؛ ففي الشبكة آلاف المنتديات التي يمكنك التسجيل فيها، ومع أنَّ هذا الرجل قد أساء إليكِ بشدَّة، لكني أرى أنَّ تخلِّي أهْلِ هذا المنتدى عن الدِّفاع عنكِ أمَرُّ وأدهى!

تَخِذْتُكُمُ دِرْعًا حَصِينًا لِتَمْنَعُوا سِهَامَ العِدَى عَنِّي فَكُنْتُمْ نِصَالَهَا فَإِنْ أَنْتُمُ لَمْ تَحْفَظُوا لِمَوَدَّتِي ذِمَامًا فَكُونُوا لا عَلَيْهَا وَلاَ لَهَا قِفُوا مَوْقِفَ الْمَعْذُورِ عَنِّي بِجَانِبٍ وَخَلُّوا نِبَالِي لِلْعِدَى وَنِبَالَهَا

فلا يَحْترق قلبُكِ على الخُرُوج منه، وفِي الإنْترنت مِن الأبْدالِ ما فيه، وما قِيمَةُ هذا المُنْتدى إلاَّ مِن شغَفكِ به، ومتَى ابتعدتِ عنه وزهدْتِ فيه، عرَفْتِ رُخصَه وبَخْسه!

وَقِيمَةُ الشَّيْءِ مِقْدَارُ الْهُيَامِ بِهِ فَإِنْ زَهِدْتَ فَمَا لِلمَاسِ مِقْدَارُ

ولو كنتُ مكانكِ ما بقيتُ في هذا المَكان دَقِيقةً واحِدَة، لا لأنَّ صَاحِبَ النَّفْس الصَّغِيرة قد انْتَقصَ منِّي وآذانِي وآذَى أَهْلي مَعي، بل لأنَّ هذا المَكان لا يستحِقُّ عُضْوةً فاعِلة مِثْلي!

نَظَرْنَا خَطَايَاكُمْ، فَأَغْرَيْتُمُ بِنَا كَذَا مَنْ أَعَانَ الظَّالِمِينَ عَلَى الظُّلْمِ أَسَأْتُمْ، فَإِنْ أَسْخَطْ عَلَيْكُمْ فَبِالرِّضَا وَإِنْ أَرْضَ عَنْكُمْ مِنْ حَيَائِي فَبِالرَّغْمِ

أعلمُ يقينًا أنَّ الكلامَ لا يُطفئ هذه الحُرْقة المُستَعِرة في صَدْركَ، ولكنِّي على يَقِين بأنَّ اللهَ - سبحانه وتعالَى - سَيشْفِي صدرَكِ منه ما دُمْتِ مُوقِنة بأنَّه - سُبحانَه - هو حَسْبُكِ ونِعْم الوكِيل، فلا تتَعجَّلي الشِّفَاء، ولو أَصْبحتِ وأَهْلُ الأرْضِ كلهم ظَالِمين لكِ، فتذكَّري أنَّ الله في السَّموات العُلى إلهٌ عَادِل، قد حرَّم الظُّلمَ على نفسِه، فإنْ لَم تأخذي حقَّكِ في الدُّنيا، فسوفَ تنالينَه كامِلاً يومَ الأذَان، ﴿ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 44].

واللهُ - سُبحانَه وتعالَى - أعلمُ بالصَّواب، وهو حَسْبُنا ونِعْم الوكِيل.