• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    قيام رمضان في خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر رضي ...
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    خطبة: أحكام الصيام
    الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
  •  
    ما خص الله به رمضان من الأعمال الصالحة
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    قناديل رمضانية (WORD)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بأصحابه ...
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه (3)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه (2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أهلا ومرحبا برمضان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    صلاة الصحابة رضي الله عنهم جماعة وفرادى في عهد ...
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    يوم الحصاد (قصيدة للأطفال)
    أ. محمود مفلح
  •  
    حديث: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    سورة البقرة (9) آيات الصيام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    واجبنا قبل رمضان
    الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
  •  
    يسمونها بغير اسمها
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    في ساحة المعركة
    د. محمد منير الجنباز
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / الأبحاث والدراسات
علامة باركود

يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (5)

د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/10/2016 ميلادي - 21/1/1438 هجري

الزيارات: 6431

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (5)

 

الخطبة الأولى

يوسف ورؤيا المـلك[1]

عباد الله، ومكث يوسف عليه السلام في السجن بضعَ سنين، وإذا أراد الله أمرًا سهل أسبابه، وكان سبب خروج يوسف من السجن رؤيا ملك مصر، ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ ﴾ [يوسف: 43] رؤيا عجيبة؛ بقر تأكل بقر، وعجاف هزيلات تأكل سمان ممتلئات، ﴿ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ [يوسف: 43]، لم يهدأ للملك بالٌ ولم يستقر له حال حتى يقف على أمر هذه الرؤيا، جمع السحرة، جمع الكهنة، جمع المنجمين، جمع القافة؛ فقصها عليهم، فقالوا: ﴿ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ﴾ [يوسف: 44] إنها أخلاط رؤيا كاذبة مشتبهة لا حقيقة لها، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ﴾ [يوسف: 44]: فانظر كيف جمعوا بين الجهل والجزم؟ حقيقة التعالم والإعجاب بالنفس عند بطانة السوء، وهنا ترجع الذاكرة بالذي نجا من السجن، ويتذكر يوسف الذي أوّل رؤياه، ﴿ وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ [يوسف: 45] أي بعد زمن طويل، ﴿ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ﴾ [يوسف: 45]، يقول: أطلقوني أمضي لآتيكم بتأويله من عند العالم به، وفي الكلام محذوف قد ترك ذكره استغناء بما ذُكر، والمعنى: فأرسلوه فأتى يوسف فقال له: ﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ﴾ [يوسف: 46] ويجوز لنا أن نثني على شخصٍ بما هو فيه، إذا لم يكن الثناء يضره ويقطع عنقه، ﴿ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 46] يعلمون تأويل هذه الرؤيا أو يعلمون فضلك ومعرفتك لفن التعبير، وهنا جمع يوسف الناصح عليه السلام بين تأويله للرؤيا وبين عرض مشورته فيما يحتاجون إليه ويستعدون به من التدابير الزراعية والاقتصادية، وأصبحت الرؤيا بعد تأويله واضحة، أما السمان فسنون مخصبة، وأما السبع العجاف فسنون مجدبة لا تنبت شيئًا، وأما الخضر فهي السنون المخاصيب، وأما اليابسات فهي سنين القحط والجدب، الخصب والجدب سيكون في الزروع؛ وخاصة السنبلات التي هي أعظم الأقوات وأفضلها، وسيكون الخصب والجدب في الحروث أيضًا التي تحرثها البقر، وإليكم المشورة: تزرعون هذه السنين السبع المتتابعات كما كنتم تزرعون سائر السنين على عادتكم فيما مضى، وما حصدتم في كل سنة من السنين المخصبة اتركوه في سنبله ولا تفصلوه عنها لئلا يأكله السوس ﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ [يوسف: 47] في هذه السنين، وهذا ما تؤكده اليوم الدراسات الحديثة: أن ترك الحب في سنبله عند تخزينه وقاية له من التلف بالعوامل الجوية ومختلف الآفات، ثم يجيء من بعد السنين السبع التي تزرعون فيها سنون سبع شداد؛ سنون قحط، ﴿ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ﴾ [يوسف: 48] يُؤكل فيهن ما قدمتم وأعددتم لهن من الطعام والأقوات في السنين الخصبة ﴿ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ [يوسف: 48] إلا يسيرًا مما تدخرونه وتخزنونه، ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف: 49] ثم يصيب الناس غيث؛ فتعظم الثمرات وتكثر؛ حتى أنهم يعصرونها ويتلذذون بها؛ يعصرون فيه العنب، ويعصرون فيه الزيت، ويعصرون فيه الدهن، ويحتلبون فيه الألبان.

 

وعُرض تأويل الرؤيا على الملك، وذُكرت له المشورة، فسمع قولاً لم يجد مثله في بطانة السوء من حوله، حسن تأويل، وحسن تدبير، ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ﴾ [يوسف: 50] أرسل رسولاً يخرجه ويأتي به من السجن، ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 50]، لم يرض يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن حتى تثبت أولاً براءته ويعلم الجميع أنه مظلوم، قال للرسول: قبل أن أخرج؛ سل الملك ما شأن النسوة اللاتي قطعن أيديهن والمرأة التي سُجنت بسببها؟ أيها الأفاضل: لقد أعطي يوسف عليه السلام من الحلم والصبر والأناة ما تضيق أذهاننا عن تصوره؛ ولهذا ثبت عند الطبراني بسند صحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما يقول نبينا صلى الله عليه وسلم:" عجبت لصبر أخي يوسف وكرمه والله يغفر له، حيث أرسل إليه ليستفتى في الرؤيا ولو كنت أنا لم أفعل حتى أخرج، وعجبت لصبره وكرمه والله يغفر له، أتي ليخرج فلم يخرج حتى أخبرهم بعذره ولو كنت أنا لبادرت الباب"، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول صلى الله عليه وسلم: "ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي"، وأبى يوسف أن يخرج حتى تظهر الحقيقة؛ لأنه سيخرج للناس داعية وقدوة، فكيف يخرج وقد طعن في عرضه! الدعوة عند يوسف عليه السلام أهم من كل شيء ولو طال السجن، ورجع الرسول من عند يوسف برسالته إلى الملك؛ فدعا الملك النسوة اللاتي قطعن أيديهن ودعا امرأة العزيز، وبدأ التحقيق فقال لهن: ﴿ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ﴾ [يوسف: 51] فاعترف النسوة، ﴿ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ﴾ [يوسف: 51]، الله أكبر، ما أجمل ظهور الحق بعد مصارعة الباطل، والباطل ساعة، والحق إلى قيام الساعة، ثم جاء دور امرأة العزيز، فقامت لتعلنها صريحة أمام الملأ وأمام الناس كلهم في مجلس التحقيق، قالت: ﴿ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ [يوسف: 51] تبين وظهر ﴿ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [يوسف: 51]، فصاح يوسف عليه السلام فرحًا بظهور الحقيقة: ﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ [يوسف: 52]، وهنا رُوي أن ملكًا من الملائكة قال له: يا يوسف، ولا يوم هممت بها؟ فقال يوسف حينئذٍ: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53]، وما منكم من أحدٍ يدخل الجنة بعمله أيها الأخوة، إلا أن يتغمدنا ربنا برحمةٍ منه وفضل، فاجتهد في طاعة الله وترك معصيته، وادع الله أن يثبتك على هذا الخير.

 

﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ [يوسف: 54] يقول: أجعله من خلصائي دون غيري، وهذه عادة الملوك أن يجعلوا الأشياء النفسية خالصة لهم دون غيرهم، ﴿ فَلَمَّا كَلَّمَهُ ﴾ [يوسف: 54] أعجبه كلامه وزاد موقعه عنده، ﴿ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ [يوسف: 54]، مكناك فيما تريد وآمناك على ما عندنا، فوجدها يوسف عليه السلام فرصة ليتوصل إلى نشر العدل ورفع الظلم، وجدها فرصة ليتوصل إلى دعاء أهل مصر إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأوثان، ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، لم يكن ذلك حرصًا من يوسف على الولاية، وإنما رغبة منه في النفع العام، ويجوز - معاشر المؤمنين - لمن وثق من نفسه أن يدخل في أمرٍ من أمور السلطان، ليرفع منار الحق ويهدم ما أمكنه من الباطل، وأسلم الملك ليوسف سلطانه كله، وجعل القضاء إليه، أمره وقضاؤه نافذ، وخزائن الأرض وهي الأمكنة التي تخزن فيها الأموال تحت يدي يوسف، ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ﴾ [يوسف: 56]، فسبحان القادر، سبحان الغالب على أمره، سبحان خير الحافظين، سبحان الحفيظ العليم، بعد الحبس والضيق، بعد التهمة والظلم، بعد العبودية والأسر، بعد الحسد والجب، يتصرف يوسف في أرض مصر كما يتصرف الرجل في منـزله، ﴿ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يوسف: 56، 57].

 

أيها الأخوة الكرام: إن فتنة السراء أشد من فتنة الضراء، كما من رجلٍ آتاه الله من فضله فبخل وظلم، كم من رجل فتح الله عليه في المال، فنسي فقره وقال: ورثته كابر عن كابر، كم من رجل فتح الله عليه في المنصب والنفوذ، فتفرعن وقال: إنما أوتيته على علم عندي، كم من مخدوعٍ خدعته الدنيا فانخدع، أما يوسف عليه السلام، فكان على ما كان؛ ينشر الحق، ويرد الظلم، ويدعو إلى الله، ويرحم الضعفاء، ويخرج مجتمعه من أزمة القحط والجوع التي تعصف به، وهذا ما سنسمعه في خطبتنا الثانية، قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولك فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانيـة

يوسف وأخوته

﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 58] جاءوا إلى مصر من أرض كنعان ليمتاروا طعامًا لما أصابهم القحط، وكانت سنوات شديدات في غاية القحط، ألم يدع النبي صلى الله عليه وسلم بمثلها على قريش: "اللهم أعني عليهم بسنين كسنين يوسف"، عم القحط البلاد، فكان الناس يأتون بلاد مصر؛ لأن فيها العدل والإحسان، والحكمة وحسن التدبير، ﴿ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ ﴾ [يوسف: 58]عرفهم لأنه فارقهم رجالاً، ﴿ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ [يوسف: 58] لأنهم فارقوه صبيًا يباع بالدراهم في أيدي السيارة، ودخلوا عليه الآن وهو رجل عليه أبهة الملك ورونق الرئاسة وعنده الخدم والحشم فلم يعرفوه، وما أشد هذا اللقاء! وما أقسى هذا الالتقاء بعدما حدث منهم ما حدث!! وكان يوسف عليه السلام لا يحمل للرجل إلا بعيرًا واحدًا، حتى يعم الخير الجميع، ﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ ﴾ [يوسف: 59] أعطاهم ما طلبوه من الميرة، وما يصلحون به سفرهم من العدة التي يحتاجها المسافر، سألهم عن حالهم: من أنتم؟ وما خبركم؟ فأخبروه أنهم اثنا عشر ابناً لأب من الأنبياء، هلك واحد منهم اسمه يوسف، وبقي آخر عند أبيهم، وذكروا له الأخبار، وقصوا عليه الأحوال، فحبس عبرته، وأظهر تعجبه، أنتم أحد عشر أخًا! لا بد أن أرى أخاكم الحادي عشر، ﴿ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ﴾ [يوسف: 59] ورغبهم في ذلك: ﴿ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [يوسف: 59] ائتوني به كيما أحمل لكم بعيرًا آخر فتزدادوا به حمل بعير فوق أبعرتكم، وأنا خير من نزل ضيفٌ عنده، والضيافة مشروعة، بل هي من سنن المرسلين، وبعد أن رغبهم، هدّدهم: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴾ [يوسف: 60] أي لا تقربوا بلدي ولا تصيبوا من خيري، أراد تدبير ما به وصول أخيه إليه، أخوه الذي سيشفي قلبه من أخبار أبيه، أبوه الذي فارقه من سنين، ﴿ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴾ [يوسف: 61] سنطلبه منه، سنجتهد في ذلك بما نقدر عليه، وقيل: سنخادعه حتى ننتزعه منه، وتأكيدًا لهذا الأمر وحسنًا لتدبيره، ﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [يوسف: 62]، رد البضاعة التي دفعوها ثمنًا إليهم؛ لأنه يعلم شدة حالهم، خشي ألا يكون عند أبيه طعامٌ غيره، رده ليعلموا عظيم كرمه؛ فيطمعوا في الرجوع، كيما يردوا الثمن أو يحصلوا على مزيد من الكرم.

 

﴿ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف:63، 64] عمل عليه السلام بظنه الذي صدقته القرائن وسابق أفعالهم؛ لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

 

﴿ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ﴾ [يوسف: 65] فماذا نطلب من الكرم فوق ذلك، ﴿ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا ﴾ [يوسف: 65] لأنه سيمنعنا إن لم نأتِ إليه بأخينا، ﴿ وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴾ [يوسف: 65] يسير عليه وسوف يوفينا إياه، ومن هنا يتعلم الدعاة إلى الله أن إكرام الناس والقيام على حوائجهم من أعظم أسباب جذبهم للخير وتقبلهم له.

 

﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ [يوسف: 66] حتى تحلفوا بالله لتأتني به إلا أن يحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه على أن تأتوني به، ﴿ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [يوسف: 66]، ونصح الأب المشفق أبنائه الأحد عشر وهو يودعهم: ﴿ وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ﴾ [يوسف: 67] خاف عليهم العين إذا دخلوا جماعة من طريق واحد وهم ولد رجل واحد، رجال أقوياء علماء، أبناء أنبياء، قال الله في شأن آبائهم: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45]، وجدتهم سارة عليها السلام لم يكن لها مثيل في الجمال في زمانها؛ كما ورد في الحديث الصحيح: (امرأة لم يُرَ مثلها)، فلا جرم أن يأتي أبناؤها وأحفادها على هذا النحو من البهاء والجمال، وهذا سبب، والمقدر لا بد أن يكون ﴿ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 67، 68]، قضوا وطرًا ليعقوب، وهو شفقة الوالد، فحصل له نوع طمأنينة وقضاء لما في خاطره؛ بدخولهم من طرق متفرقة؛ فبذل السبب وتوكل على الخالق سبحانه، وهكذا فليكن التوحيد والتوكل.

 

ثم ماذا؟ كيف كان مشهد التقاء يوسف بأخيه؟ وبأي شيء حدّثه لما خلى معه؟ وما حال أبيه وقد فقد الاثنين؟ أيها الأخوة إنه الموقف الذي انتظرناه طويلاً يوم أن كشف يوسف عن شخصيته لأخوته؟ يوم أن تعانقوا متباكين، يوم أن أبصر يعقوب من جديد، واحتضن يوسف.. لنقف مع هذه المشاهد المهيبة في الخطبة القادمة إن شاء الله.



[1] بتاريخ 3 ربيع ثاني 1428 هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (1)
  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (2)
  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (3)
  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (4)
  • يوسف عليه الصلاة والسلام من حسد إخوته إلى ملك مصر (6)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بركات الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) الآية(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • أيها الأنام أفشوا السلام تدخلوا دار السلام بسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلام محمد وسلام المسيح عليهما السلام(مقالة - ملفات خاصة)
  • زوال الهموم وغفران الذنوب في كثرة الصلاة على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • استكثر من الصلاة على نبيك محمد عليه الصلاة والسلام وبخاصة الجمعة وليلتها(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • التواصي بكثرة الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام منهج قرآني(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • المدينة المنورة: ورشة عمل لتنظيم وتسهيل الصلاة في الروضة وزيارة قبر المصطفى عليه الصلاة والسلام(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • يوسف عليه السلام عزيز مصر(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • مخطوطة الجزء فيه من غرائب حديث القاضي أبي بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • على خطى أندية إنجليزية: برايتون يقيم إفطارا جماعيا بشهر رمضان
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/9/1444هـ - الساعة: 10:2
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب