• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    السلام عنوان وشعار الإسلام (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    الاستطالة على الأعراض (خطبة)
    د. عبدالعزيز حمود التويجري
  •  
    القرآن في قلوبنا
    محمود إبراهيم بدوي
  •  
    النصيحة من الغيبة والنميمة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    نجاة أهل العصر في سورة العصر (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    اعلم أيها المغرور أن النذور لا تغير المقدور
    الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
  •  
    تفسير: (فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    مخالفات الشيعة الإمامية للإمام علي رضي الله عنه
    د. عبدالله بن الحسن بن صالح العلوي
  •  
    مكارم أخلاق صلى الله عليه وسلم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    {ولا تمش في الأرض مرحا}
    نبيل بن رزق بن محمد الصبحي الحربي
  •  
    أحكام الشركة والإجارة والمسابقة في الإسلام (خطبة)
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    البطالة وعلاجها في السنة النبوية (PDF)
    أ. د. طالب حماد أبوشعر
  •  
    فقه الإحسان (3): {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { ومن الناس من يعجبك ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    خطبة: قصة الثلاثة (الأبرص والأقرع والأعمى)
    يحيى سليمان العقيلي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الطهارة وما يتعلق بها
علامة باركود

شطر الإيمان

الشيخ عائض بن عبدالله القرني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/8/2007 ميلادي - 11/8/1428 هجري

الزيارات: 29331

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شطر الإيمان

 

إنَّ الحمد لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].

 

أما بعد:

فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

أيها المسلمون:

يا لسعادة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدثهم عن الجنة، وعن نعيم الجنة، وعن راحة الجنة؛ لأن من جعل هذه الدنيا دارًا ومستقرًا، فقد أصابه الله بالحرمان، وقد كتب الله عليه الخذلان.

يا مُتْعَبَ الجِسْمِ كم تسعى لراحته
أتْعَبْتَ جِسْمَكَ فيما فيه خُسْرانُ
أَقْبِلْ على الرُّوحِ واستكمِلْ فضائلَها
فأنت بالرُّوح لا بالجسم إِنسانُ
يا عامرًا لخرابِ الدارِ مجتهدًا بالله
هل لخراب الدارِ عُمْرانُ

 

خرج عليهم صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث لهم عن نعيم الجنة، ثم قال لبلال رضي الله عنه: ((حدثني بأرجى عمل عملته في الإِسلام، فإني سمعت دفَّ نعليك بين يديّ في الجنة)) قال: ما عملت عملاً أرجى عندي؛ إني لم أتطهر طُهورًا، في ساعة ليلٍ أو نهار، إلا صليت بذلك الطُّهور ما كتب لي أن أصلي[1].

 

إن الوضوء مَعْلَمٌ من معالم هذا الدين، وليس في الدين قضايا بسيطة فرعية، بحيث يستخف بها الإِنسان، وليس فيه ظاهر وباطن، أو قشرٌ ولباب، بل كله أصلٌ ولبٌّ ووحيٌ من عند الله عزَّ وجلَّ.

 

أعظم قضاياه لا إله إلا الله، وأيسرها إماطة الأذى عن الطريق، لكن من قصد بكل قضية وجه الله، أدخله الله الجنة، من أي أبوابها الثمانية شاء.

 

يقول عقبة بن عامر رضي الله عنه وأرضاه : كنا نتداول رعية الإِبل بيننا - وهذه رواية الإِمام أحمد في المسند - فأصابني رعية الإِبل، فروّحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يحدث الناس، فأدركت من حديثه وهو يقول: ((ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقوم، فيركع ركعتين، يقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة، وغفر له)). فقلت: ما أجود هذا!! فقال قائل بين يَدَي: التي قبلها يا عقبة أجود منها. فنظرت فإذا عمر بن الخطاب. فقلت له: وما هي يا أبا حفص. قال: إنه قال قبل أن تأتي: ((ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيِّها شاء))[2].

 

زاد الترمذي بعد الشهادة: ((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين))[3].

 

فهنيئًا لكم أيها المتوضئون، وهنيئًا لكم أيها المتطهرون، أبشروا وأملوا في ربكم ما يسركم.

هنيئًا لكم .. تتوضؤون وغيركم من الملايين، تمر عليهم السنوات لا يعرفون الوضوء.

وهنيئًا لكم الطهارة .. تتطهرون وغيركم من الملايين، يعيشون عيشة الكلاب والخنازير لا يتطهرون.

وهنيئًا لكم .. يعرفكم رسولكم صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بوضوئكم متطهرين، متجملين للعرض الأكبر على الله.

 

• يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقبرة فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وددتُ أنا قد رأينا إخواننا)) قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: ((أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد)) فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: ((أرأيت لو أن رجلاً له خيلٌ غرٌّ مُحَجَّلَةٌ[4] بين ظهري خيل دُهْمٍ بُهْمٍ[5]، ألا يعرف خيله؟)) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ((فإنهم يأتون غُرًّا مُحَجَّلين من الوضوء، وأنا فَرَطُهم على الحوض))[6].

 

فالرسول صلى الله عليه وسلم سيعرف أتباعه يوم القيامة، وسط الأمم التي هي كالذر؛ أمة موسى، وعيسى، ونوح، وإبراهيم، يعرفهم صلى الله عليه وسلم بعلامة الوضوء.

 

إذا رآك عرف أنك من أمته، ومن أهل حزبه وملته، وأنك من الذين يَردُون حوضه، ويشربون من كوثره.

 

إذا رأى وجهك يبرق كالقمر من آثار الوضوء، وقد امتلأت أركانك بالنور، علم أنك من أتباعه، فسقاك من يده الشريفة شربة هنيئة لا تظمأ بعدها أبدًا.

 

أما أهل النفاق والضلال، الذين لم يهتدوا بهديه صلى الله عليه وسلم أما الذين لا يتوضؤون، ولا يركعون، ولا يسجدون، فيقول صلى الله عليه وسلم كما في تتمة الحديث السابق: ((ألا ليُذَادنَّ[7] رجالٌ عن حوضي كما يُذَادُ البعير الضال. أناديهم .. ألا هَلُمَّ[8]! فيقال: إنهم قد بدَّلوا بعدك. فأقول: سُحْقًا سُحْقًا))[9].

فَقُلْ لبلالِ العزم من قلبٍ صادقٍ
أرحنا بها إنْ كنت حقًّا مصليًّا
توضأ بماءِ التوبة اليومَ مخلصًا
به تَرْقَى أبوابَ الجِنَانِ الثَّمانيا

 

في الأثر: أن الله عزَّ وجلَّ ينظر لعبده المؤمن إذا قام من فراشه لصلاة الفجر، ينتفض خائفًا وجلاً، فيعمد إلى الماء البارد، فيتوضأ به في شدة البرودة، ثم يأتي للصلاة، فيقول الله لملائكته: يا ملائكتي انظروا لعبدي المؤمن ترك فراشه الدفيء، ولحافه الوثير، وقام إلى الماء البارد يتوضأ، وقام إليَّ يناجيني ويتملقني، أشهدكم أني قد غفرت له، وأدخلته الجنة.

 

فيا لعظمة المسلم، يوم يقوم من فراشه مع صلاة الفجر، وأهل النفاق، وأهل الفجور، وأهل الإعراض عن الله، وأهل الغفلة في فرشهم، متغمِّصون بنفاقهم وفجورهم، فيقوم إلى الماء البارد، فيتوضأ ويرفع سبابته، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.

 

• وفي حديث حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عجب ربنا من رجلين)) - ولله أن يعجب من عبده؛ يوم خلقه، ويوم سواه، ويوم رزقه، وعجبه سبحانه وتعالى يليق بجلاله - ((عجب ربنا من رجلين؛ رجلٍ ثار من وطائه ولحافه، من بين حبِّه وأهله إلى الصلاة، فيقول الله جلّ وعلا: انظروا إلى عبدي، ثار من فراشه ووطائه؛ من بين حبِّه وأهله إلى صلاته؛ رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي. ورجل غزا في سبيل الله، فانهزم أصحابه، وعلم ما عليه في الانهزامِ، وما له في الرجوع، فرجع حتى هُرِيق دمُه، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي، رجع؛ رجاءً فيما عندي، وشفقًا مما عندي حتى هُريق دمه!!))[10] فالله عزَّ وجلَّ يعجب من هذا العبد، الذي يقوم في الليل، يترك فراشه الوثير، ولحافه الدفيء، ويعمد إلى الماء البارد يتوضأ، وهو ينتفض من البرودة، ثم يصلي ما كتب الله له أن يصلي.

 

فأيُّ عبدٍ ذلك العبد! وأيُّ جزاءٍ له يوم القيامة!!

 

• وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((الطُّهورُ شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآنِ (أو تملأ) ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كلُّ الناس يغدو، فبائعٌ نفسه، فمعتقُها أو موبقُها))[11].

 

وإنما صلى الله عليه وسلم جعل الطهور شطر الإيمان؛ لأنه يتعلق بالطهارة الظاهرة وأما الباطن فأمره عند الله، فإذا طهر العبد باطنه فقد استكمل الإيمان.

 

فجعل الله الطهارة أو الوضوء نصف الإيمان؛ لأنه علامة اليقين. ووالله، ثم والله، ثم والله، لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن؛ لأنه سر بين العبد وبين ربه، ولا يعلم السر وأخفى إلا الله.

 

ولا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إلا الله، ولا يعلم ما تضمر وتسر القلوب إلا الله؛ بإمكان الرجل أن يصلي وعليه جنابة، فلا يعلم الناس ذلك، وبإمكانه أن يدخل المسجد ويصلي بغير وضوء، ولكنه يعلم أن الله يراه، وهو مُطّلعٌ عليه، فيعمد إلى الوضوء، فإذا توضأ، حصَّل شطر الإيمان؛ لأنه يراقب ربَّه في السر والعلانية.

 

يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات)). قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المسجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط، فذلكم الرباط))[12].

 

ومعنى إسباغ الوضوء على المكاره، أن تسبغ وضوءك في شدة البرد، يوم ألا يمس المنافقون الماء البارد، ويتأذون من الماء البارد، فتقوم تشرشر بالماء البارد على أعضائك الدفيئة؛ طلبًا للفضل والأجر من الله، فيحط الله عنك الخطايا، كما تحات الشجرة ورقها في شدة البرد، أو في الرياح الهوج.

 

• وقال أبو هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا توضأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه، خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل يديه، خرج من يديه كلُّ خطيئة بطشتْها يداه، مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه، مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - حتى يخرج نقيًا من الذنوب))[13] فهل يطلب المسلم أجرًا بعد هذا أو يريد أكثر من هذا الترغيب لينشط للعبادة!

 

فيا من أراد نعيم الجنة، دونكها أبواب ثمانية فتحت لك، فتوضأ، وادخل على الله من أيها شئت، وتعال إلى المسجد طاهرًا مطهرًا من الذنوب والخطايا.

 

فما أعظمك أيها المسلم حينما تطيع ربك - عزَّ وجلَّ، وهنيئًا لك يوم تتوضأ كل يوم خمس مرات، وهنيئًا لك يوم تتطهر بالماء البارد، فتخرج خطاياك من أعضائك، هنيئًا لك يوم تطلب رضوان الله وجنة الله.

فَاعْمَلْ لدارٍ غدًا رضوانُ خَازِنُها
الجَارُ أحمدُ والرَّحْمَنُ بَانِيهَا
قصورُها ذهبٌ والمِسْكُ تُرْبَتُهَا
والزَّعْفَرَانُ حَشِيشٌ نَابِتٌ فيها

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وحجة الله على الناس أجمعين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

فإن أعظم نعمة مَنَّ الله تعالى بها علينا؛ أن جعلنا مسلمين، وأن هدانا صراطه المستقيم.

 

فنسأله سبحانه كما رزقنا وإياكم الإسلام، أن يسترنا وألا يفضحنا، وأن يصلح بواطننا وظواهرنا، وأن يعمر قلوبنا بالتقوى والمراقبة.

 

عباد الله:

إن النعيم كلَّ النعيم؛ أن تتلذذ بطاعة الله، بذكر الله، بالوضوء لأداء فرائض الله، بتلاوة كلامه سبحانه وتعالى بالصيام له، بمناجاته في غلس الليل، بالصدقة، بطلب مرضاته، بحسن الخلق لرفع الدرجات عنده.

 

ولقد كان العلم عند السلف الصالح سهلاً يسيرًا، كان العلم عند أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، يقصد منه العمل والتقرب إلى الله، ما عرفوا هذا التنظير العلمي، الذي شغل أوقاتنا، وهذا الجدل العقيم، الذي ضيع ساعاتنا، علمهم سهل، يعلمون المسألة، فيعملون بها، فيرزقهم الله علمًا إلى علمهم.

 

يروى أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قال: "من عمل بما علم، ورَّثه الله علم ما لم يعلم"[14].

 

ولذلك دعا عثمان رضي الله عنه وأرضاه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا إليه فجلسوا خارج المسجد. أتدرون لماذا دعاهم؟ هل أراد أن يلقي عليهم محاضرة تستغرق الساعات الطوال، فيحدثهم عن مسائل غامضة لا يمكن أن يعملوا بها؟ لا، إنما دعاهم ليعلمهم قضية سهلة من قضايا الإسلام دعا عثمان بإناءٍ، فأفرغ على كفيه ثلاث مراتٍ، فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، ثم تمضمض، واستنشق، واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا. ثم قال: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، وصلى ركعتين، لا يحدِّث فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه))[15].

 

هذا هو الإسلام، وهذا هو العلم، وهذه هي طريقة الصحابة في عرض العلم والإسلام على الناس، لا تكلف، لا تنطع، لا تفلسف، وإنما تكليف عملي، وتدريب ميداني، وهكذا كانوا في كل أمورهم رضي الله عنهم.

 

ولذلك يقول سيف الله المنتضى، أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إني كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا، نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني رجل من أصحابه، استحلفته، فإذا حلف لي، صدقته، وإنه حدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل يذنب ذنبًا، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله، إلا غفر له))[16]، ثم قرأ هذه الآية: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].

 

وهذا الحديث صحيح فاستبشروا به، فإذا ألَّم أحدكم بخطأ، أو بفاحشة، أو بظلم كبير، فليذهب إلى الماء البارد، وليتوضأ بالماء البارد، وليطفئ نار الذنب، ونار الخطيئة، وليصلي ركعتين، ثم ليستغفر الله؛ لأنه لا يغفر الذنوب إلا الله، ولا يستر العيوب إلا الله، ولا يتجاوز عن السيئات إلا الله، ولا يعفوا عن الزلات إلا الله. فهو الذي يغفر للعبد، ويرحم العبد، ويستر العبد، ويهدي العبد، لا إله غيره ولا ربَّ سواه.

 

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

 

فاستبشروا بسنةِ الوضوء، واستصحبوا السواك إذا توضأتم، ثم ارفعوا سباباتكم إلى الحي القيوم، وأعلنوا الوحدانية قوية حيّة، وقولوا: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله؛ يفتح الله لكم أبواب الجنة الثمانية، وتسلم عليكم الملائكة، ويدعو لكم المقربون، ويشهد لكم الأنبياء والرسل.

 

فسلام على كل من توضأ، وأتى إلى بيت من بيوت الله منيبًا، وسلام على من تطهر لله ظاهرًا وباطنًا.

 

اللهم فاجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين.

 

اللهم كما طهرت أعضاءنا بالماء البارد، فطهر قلوبنا من النفاق والكفر، ومن الغش والكِبْرِ ومن الحقد والحسد، ومن الرياء والغلِّ يا رب العالمين.

 

اللهم كما سترت ظواهرنا من العيوب، والجروح، والأمراض، فاستر بواطننا يا أرحم الراحمين.

 

اللهم كما أضفيت علينا لباس الستر في الدنيا، فلا تفضحنا على رؤوس الأشهاد، يوم نأتيك حفاة عراة غرلاً.

 

عباد الله:

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

• وقد قال صلى الله عليه وسلم : ((من صلى عليَّ صلاة، صلى الله عليه بها عشرًا))[17].

 

اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.

 


[1] أخرجه البخاري (2/ 48)، ومسلم (4/ 1910) رقم: (2458).

[2] أخرجه أحمد (4/ 146، 153). وصححه العلامة أحمد شاكر كما في تحقيقه لكتاب ((سنن الترمذي)) (1/ 79 - 83). وأخرجه أبو داود (1/ 43) رقم: (169).

[3] أخرجه الترمذي (1/ 78) رقم: (55). قال الترمذي: وهذا حديث في إسناده اضطراب.

[4] الغُرّة: بياض في جبهة الفرس. والتحجيل: بياض في يديها ورجليها.

[5] خيل دُهمٍ بهم: أي سود، لا يخالط لونها لون آخر.

[6] وأنا فرطهم على الحوض: أي متقدمهم عليه. قال ابن الأثير: يقال: فَرَط يفرِط، فهو فارِطٌ وفَرَطٌ: إذا تقدم وسبق القوم، ليرتاد لهم الماء. والحديث أخرجه مسلم (1/ 218) رقم: (249).

[7] يُذَاد: يُطرد.

[8] ألا هَلُمَّ: أي تعالوا.

[9] سحقًا سحقًا: أي بعدًا بعدًا.

[10] أخرجه أحمد (1/ 416). وأخرجه أبو داود بعضه (3/ 19) رقم: (2536). وأخرجه البيهقي (9/ 164). وابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان (6/ 297، 298) وصححه الأرناؤوط.

[11] أخرجه مسلم (1/ 203) رقم: (223).

[12] أخرجه مسلم (1/ 219) رقم: (251).

[13] أخرجه مسلم (1/ 215) رقم: (214).

[14] وهذا الحديث يروى مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصح. أخرجه أبو نعيم في الحلية (10/ 15) ثم قال: ذكر أحمد بن حنبل هذا الكلام عن بعض التابعين، عن عيسى ابن مريم عليه السلام، فوهم بعض الرواة، أنه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم، فوضع الإسناد عليه لسهولته وقربه، وهذا الحديث لا يحتمل بهذا الإسناد عن أحمد بن حنبل.

[15] أخرجه البخاري (1/ 48، 49). ومسلم (204، 205) رقم: (226).

[16] أخرجه الترمذي (5/ 213) رقم: (3006). وابن ماجه (1/ 446) رقم: (1395). وأحمد (1/ 10).

وقد صحح هذا الحديث الحافظ المزي، وجود إسناده ابن حجر. انظر: ((تهذيب التهذيب)) (1/ 227، 228) عند ترجمة: أسماء بن الحكم الفزاري.

[17] أخرجه مسلم (1/ 288) رقم: (384).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • استعلاء الإيمان
  • تنمية الإيمان بالنظر في آيات الله تعالى
  • الإيمان الذي يدخل الجنة
  • صورة من صور الإيمان الحق في قبسات من كتاب الله
  • الإيمان البارد وأثره على جدية الالتزام
  • الإيمان
  • تأملات في قصة إيمان (1)
  • التفكر وزيادة الإيمان في القلب
  • دور الإيمان والعبادات في التربية
  • الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص
  • حاجتنا إلى الإيمان
  • دورة: الإيمان أولا
  • بقية إيمان (خطبة)
  • هل يصلح أن نتعلم الإيمان قبل القرآن؟
  • الإيمان
  • الإيمان بالقرآن

مختارات من الشبكة

  • شرح الحديث 23 من الأربعين النووية (الطهور شطر الإيمان)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تخريج حديث: الطهور شطر الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أبي مالك الأشعري: الطهور شطر الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: عامل أهل خيبر شطر ما يخرج منها من أمير أو زرع(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • شرح حديث: إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة(مقالة - ملفات خاصة)
  • تفسير: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمو تورنتو يوفرون حافلة للنوم خلال فصل الشتاء من أجل المشردين
  • افتتاح أكبر مسجد بإقليم آكيتن الفرنسي
  • مسجد ينظم يوما للتبرع بالدم لمساعدة المرضى بمدينة ليون الإسبانية
  • عدد المسلمين ينمو 4 أضعاف بمنطقة Castilla y Leon الإسبانية
  • مجموعة إسلامية تقدم الدعم للمحتاجين في المملكة المتحدة
  • مؤسسة إسلامية ونادي كرة قدم يتعاونان لمساندة فقراء بيرنلي
  • المسلمون يفتتحون أكبر مقبرة إسلامية في هولندا
  • توسيع مسجد بمدينة ميدلزبره الإنجليزية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/7/1444هـ - الساعة: 2:1
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب