• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه رقم (2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    التوبة واستقبال رمضان (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    اسم الله تعالى العليم (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام متفرقة في الصيام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    من أقوال السلف في الصيام
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تنبيه الصائمين بالعناية بالمساجد وكتاب رب ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    أهلا ومرحبا برمضان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر
    السيد مراد سلامة
  •  
    لا تر الناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر
    السيد مراد سلامة
  •  
    الصيام وأقسامه
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    أعظم سورة في القرآن
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    أحكام الدية (خطبة)
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    من صفات عباد الرحمن: قيام الليل (خطبة)
    محمد بن أحمد زراك
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    منهج الإمام يحيى بن سعيد القطان في توثيق الرواة ...
    أ. د. طالب حماد أبوشعر
  •  
    جذور طرائق التدريس الحديثة في الهدي النبوي ...
    هبة أحمد مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة عن التوكل والتقوى

خطبة عن التوكل والتقوى
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/12/2019 ميلادي - 27/4/1441 هجري

الزيارات: 12026

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عن التوكل والتقوى

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين يا رب العالمين.

 

عباد الله، بالتوكل على الله وبالتقوى ينال العبد ما يرضى، وينال من عطايا الله حتى يرضى، اتقِ الله يا عبدالله، توكل على الله، إن أردت النصر فاتقِ الله وتوكل على الله، إن أردت الرزق فاتقِ الله وتوكل على الله، إن أردت الخير، والغيث والمطر، وبركات السماء، وبركات الأرض - فاتقِ الله وتوكل على الله؛ فقد قال الله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

والتوكل على الله لا يعني أن تترك الأخذ بالأسباب؛ فمثلًا يقول أحدهم: "أنا أتوكل على الله، وأريد أولادًا ذكورًا أو إناثًا"، ولا يتزوج، أو يريد أن يتوكل على الله، ويقول: "أنا أريد مالًا وطعامًا دون أن أسعى".

 

يا عبدالله، اسعَ في الأرض، خذْ بالأسباب؛ فلم يخلق الله سبحانه وتعالى الأسباب هملًا، لا بد من الأسباب، خذ بها وتوكل على الله، فإن حاولتَ الأخذ بالأسباب فمُنعت، إن حاولت العمل للوصول إلى ما تريد، وتوكلت على الله، لكن لم يحصل لك شيء من الأسباب، اترك هذا، فهذا على الله، الله سيعوضك، ربما تأتيك أشياء من دون أسباب ما دمتَ متوكلًا على الله، وحاولتَ الأخذ بالأسباب؛ لذلك جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ((كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون - يحجون إلى بيت الله الحرام، ولا يأخذون معهم الطعام - ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة - ما معهم طعام، ويحتاجون إلى الطعام - سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ... ﴾ [البقرة: 197]))؛ [رواه البخاري (1451)].

 

خُذ بالأسباب، فلو تزودتم يا أهل اليمن وتوجهتم إلى مكة، وأنتم في الطريق أخذ طعامكم وشرابكم قطاع الطرق، أنتم متوكلون على الله، فسيعوضكم الله عز وجل، أما من أول الأمر وبدايته تتركون التزود والأخذ بالأسباب، وتكون النهاية التسول، ومد الأيدي للناس.

﴿ وَتَزَوَّدُوا ﴾؛ أي: تزودوا، واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم، والإثم في ذلك.

وفي الآية والحديث إشارة إلى أن ارتكاب الأسباب لا ينافي التوكل، بل هو الأفضل ... (فتح).

 

ماذا يحدث لو توكل الناس في الأرض على ربهم حق التوكل؟ أو ماذا يحدث لو أن المسلمين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله توكلوا على الله حق التوكل، ماذا يحدث؟

الله سيكفيهم عدوهم، وسيكفيهم الأرزاق، لا يدرون عن هذه الأرزاق من أين تأتي، بسعيٍ يسير، بسعي وأخذ بالأسباب، بأتفه الأسباب، تأتيهم أعظم النتائج وأكبرها؛ لذلك ورد عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم كنتم توكَّلون على الله حق توكله، لرُزقتم كما تُرزق الطير، تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا))؛ [رواه الترمذي (2344)، وابن ماجه (4164)].

 

رزق الطير كيف يكون يا عبدالله؟ حق التوكل عند الطيور، عند الحيوانات، وعند الحيتان في البحار من يرزقها يا عباد الله؟ رزقها على الله سبحانه وتعالى يوميًّا، الله يرزق عباده، لكن يحتاج المؤمنون إلى التقوى والتوكل، وحقيقة التوكل شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغدو ورواح الطيور، ((تغدو خماصًا))؛ أي: بطانها جائعة، ليس فيها شيء، وهذا يكون في الصباح الباكر، تجد رزقها أمامها، و((تروح بطانًا))؛ أي: شباعًا، بطونها مليئة، هذا هو المسلم، لو كان كذلك لكانت النتائج كذلك.

 

وهذه الدنيا فانية وهي متاع، والله لن تأخذ منها شيئًا إلى الآخرة، أنا لن آخذ منديلي هذا ولا عباءتي هذه لن آخذها معي، يوم القيامة لن يكون هناك لا درهم ولا دينار ولا فضة، ولا ملابس ولا أرض ولا عقار، كله سيفنى، ممن هذا كله؟ من الله، هو الذي أعطانا إياه؛ قال سبحانه: ﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الشورى: 36]، خير وأبقى هناك عند الله عز وجل، فادخر من هذا المتاع المنقطع للمتاع الأبدي.

 

لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يجعل بين عباده من أخذ بهذا الأمر تقوًى وتوكلًا على الله، وأنا لو سألتكم هذا السؤال: رجل منا أو من غيرنا يأتي إلى صحراء، ليس فيها بئر ولا ماء، ولا عين ولا نهر، وإذا به يخدُّ الأخاديد ويحرثها، يأتي بالسماد، يأخذ بالأسباب يزرعها، ليس هناك ماء لكنه متوكل على من؟ متوكل على رب الأرض والسماء!

 

أتعلمون أن من وصل إلى هذه الدرجة، فإن الماء سيأتيه، أخذ بالأسباب، ما عنده شيء يستطيع أن يفعله، وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينما رجل بفلاة من الأرض)): الفلاة: الصحراء والمفازة والقفر من الأرض، وقيل: التي لا ماء بها، ولا أنيس ولا جليس، هذا الرجل يسير في أرض صحراء قفر.

 

((فسمع صوتًا في سحابة))، وفي الحقيقة هذا صوت مَلَكٍ موكل من الله عز وجل، وماذا يقول هذا الصوت؟ يقول: ((اسقِ حديقة فلان))، التي تكلمنا عنها، جهز نفسه، بذر البذور زرع الأشجار، جهز كل شيء، لماذا؟ متوكلٌ على الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك يعطي حق الله سبحانه وتعالى.

 

((فتنحى ذلك السحاب))، والظاهر والله أعلم أن السحاب كان في سير معين، فعندما سمع الرجل الصوت نظر في السحاب، فإذا بالسحاب يأخذ طريقًا أخرى غير طريقه.

 

((فأفرغ ماءه في حرَّة)): الحرَّة: عبارة عن أرض ذات حجارة سود، لا تمتص الماء، النقطة التي تنزل من السماء تجري لا تبقى، ولا تشربها الأرض.

 

((فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشراج)): الشرجة: جمعها شراج، وهي مسايل الماء في الحرار، فهذه الحرة تنتهي بمسيل، الماء ينزل من السماء، ويأتي في قنوات معينة صغيرة.

 

((قد استوعبت ذلك الماء كله)): أخذتِ الماء وبدأ الماء يجري في تلك القناة.

 

((فتتبع الماء))، إلى أين يذهب؟ ((فإذا رجل قائم في حديقته))، عنده أشجاره قد جفت حديقته تحتاج للماء، لأنها عطشت، وهذا الرجل ينتظر الماء بالساعة إن صح التعبير، كأنه على علم من الله أنها تنزل في تلك اللحظة، وما هي استعدادات هذا الرجل؟

 

((يحوِّل الماء بمِسْحاتِهِ)): بالفأس يستعد للماء الذي نزل من السماء، دون علم من هذا الرجل أن هناك ماءً سيأتي أو لا، لكنه متوكل على الله، ((فقال له))؛ أي: الرجل الذي سمع الصوت في السحابة: ((يا عبدالله، ما اسمك؟)) يريد أن يتأكد، ((قال: فلان - للاسم الذي سمع في السحابة - فقال له: لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقة فلان - لاسمك - فما تصنع فيها؟))؛ ماذا تصنع في هذه الحديقة، وقد وكل الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات من يسوق السحاب إليك؟ ((قال))، وهو لا يريد أن يخبر الناس بها، فهي كرامة له، لكن قال له: ((أما إذ قلت هذا))؛ أي: ما دمتَ أنت سمعت فأنا سأخبرك، ((فإني أنظر إلى ما يخرج منها))؛ أي: الناتج بعد الحصاد، ماذا يفعل هذا الرجل؟ ((فأجعل ثلثه في المساكين، والسائلين، وابن السبيل، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثًا))؛ [رواه مسلم 45 - (2984)].

 

فيقسمها ثلاثة أقسام: يجعل لله حقًّا، للمساكين والسائلين وابن السبيل ويكون ثلثًا، وثلثًا لأهله وعياله، وثلثًا يرده عليها، امتحننا الله بأقل من ذلك، أن تخرج زكاة أموالك ليس الثلث، بل العشر، العشر مما يُسقى من ماء السماء، ونصف العشر إذا كنت تسقيه أنت، أما إذا كان الذهب والفضة فهذه ربع العشر.

 

عباد الله، تتأخر الأمطار أو تقل، أو تندر أو تنعدم، ليس معناه أنه سيأتي قحط وفقر، وجدب في الأمة، إن قلة الأمطار أو انعدامها لا يعني أنه سيكون قحط وجدب، فالقحط الحقيقي والجدب إذا جادت السماء بالأمطار ولم تنبت الأرض نباتها.

 

فبعدم إنبات الأرض، هنا تكون الكارثة؛ وهذا ما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليست السَّنَة - أي: القحط والجدب - بألَّا تُمطروا، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا، ولا تنبت الأرض شيئًا))؛ [رواه مسلم 44 - (2904)]، عافانا الله من ذلك.

 

والأرض حتى تكون فيها البركات، لا بد من تقوى الله عز وجل والتوكل عليه؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]؛ يأخذهم الله عند عدم إيمانهم، وعدم تقواهم لله عز وجل، فينشر بينهم الفقر والقحط وقلة ذات اليد، عافانا الله وإياكم من ذلك، ومن كل ما يغضبه سبحانه وتعالى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فإذا ازداد البلاء على عبد من عباد الله، ففقد أمواله، وفقد أرضه وزرعه، وفقد ما كان سببًا في حياته؛ من مأكل ومشرب، ومسكن وملبس ونحو ذلك، لكنه اتقى وصبر، ثم فوق هذا إذا فقد أولاده؛ بنيه وبناته، ومع ذلك حمد وشكر، وفوق ذلك نفس الرجل فقد صحته وفقد عافيته، لا يستطيع أن يتحرك إلا بمن يحركه، ومع ذلك تقوى الله لا تفارق قلبه، التوكل على الله لا يفارق جوارحه، لسانه لا يزال رطبًا بذكر الله سبحانه وتعالى، بالله عليكم ما النتيجة؟ الذي ابتُلي بكل هذه الابتلاءات، ماذا نال؟ وعلى أي شيء حاز؟ النتيجة أن بعث الله عليه سحابًا من السماء كما سنعلم، سحابًا من السماء يمطر ذهبًا وفضة، عرفتموه؟ إنه أيوب عليه السلام، حصل معه ما ذكرنا، ابتلاه الله فصبر، وتوكل على الله وأكثر من الحمد والذكر، فآتاه أجره مضاعفًا؛ قال سبحانه: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].

 

بين كلمة (نادى) أيوب عليه السلام، وبين كلمة (فاستجبنا له فكشفنا ما به) وقتٌ تظنونه قصيرًا؟ بعد ثمانية عشر عامًا من المرض والعذاب، وهذا ما ثبت في الحديث الصحيح؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أيوب نبي الله عليه السلام لبِث به بلاؤه ثماني عشرة سنةً))، في بلائه بعد أن أُخذت منه الأموال، ومات الأولاد، بدأ البلاء والمرض في الجسم، لا يتحرك منه ثمانية عشر سنة، ((فرفضه القريب والبعيد)): كل الذين كانوا يأخذون من عنده الصدقات والهدايا وما شابه ذلك، تركوه، نسأل الله السلامة، ((إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه))؛ أي: من أقرب المقربين من أصحابه ورفقائه، ((كانا يغدوان إليه))؛ أي: يسيران أول النهار، ((ويروحان)) آخر النهار إليه، فكل يوم يزورانه مرتين، وفي آخر الثمانية عشر عامًا، لم يتمالك أحدهما أن يكتم ما في نفسه، ((فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله، لقد أذنب أيوبُ ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنةً لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له))؛ أي: إنك يا أيوب لعلك أذنبتَ ذنبًا، وكثير من الناس يظن أن الابتلاء يكون بسبب معصية، الابتلاء ليس شرطًا أن يكون بسبب معصية، الابتلاء قد يكون لرفعة لهذا العبد درجات في الآخرة، وضربِ مثلٍ للأمة حتى تقتدي به، ((فقال أيوب: ما أدري ما تقولان))، بدأ أيوب يفكر ماذا فعل، فخرج بنتيجة واحدة أنه فعلها لعلها تكون ذنبًا، ما يدري، ((غير أن الله يعلم أني كنت أمرُّ بالرجلين يتنازعان، فيذكران الله))؛ أي: أن أحدهما يحلف يمينًا، واليمين تحتاج إلى كفارة، قال: ((فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما؛ كراهية أن يُذكَر الله إلا في حق))، هل هذا ذنب؟ الأتقياء قد يفكرون في بعض الأعمال التي يعملونها أنها ذنوب، أما هي في الحقيقة ليست بذنوب، ((قال)) صلى الله عليه وسلم: ((وكان أيوب يخرج لحاجته، فإذا قضى حاجته، أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ))؛ يعني: يتوكأ على زوجته التي بقيت له بصحتها وعافيتها، ((فلما كان ذات يوم أبطأ عليها))، انتظرته أن يناديَها حتى ترجعه إلى بيته، بعد أن قضى حاجته، أطال في رجوعه، ((فأوحى الله إلى أيوب)) في هذه الفترة ((أن: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 42]))، فركض برجله، وهو لا يستطيع أن يتحرك، لكنه حرك قدمه، فنبع الماء من تحت رجله، ماء بارد على طبيعته، فماذا فعل؟ اغتسل واشرب، ورجعت حاله لما كان عليه قبل الثمانية عشر عامًا، بقدرة من؟ بقدرة واحد أحد سبحانه.

 

((فاستبطأته))؛ أي: زوجته، ((فبلغته تنظر))، ذهبت إلى المكان الذي وضعته فيه، ((فأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء، فهو أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أيْ، بارك الله فيك))، ما عرفته، فلما رأته قالت له: ((هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟))؛ [رواه الطبراني في الأحاديث الطوال، ج: 1، ص: 284، ح: 40]، ((والله على ذلك، ما رأيت أحدًا كان أشبه به منك إذ كان صحيحًا، قال: فإني أنا هو))، مفاجأة عظيمة جدًّا لهذه المرأة، يقول لها: الله رد عليَّ صحتي وعافيتي، وأنا هو، إيمانها جعلها تصدق، فذهبت معه غير متكئ عليها؛ أي: يقوم بنفسه ودخل بيته، وفي بيته المخازن، ((وكان له أندران))؛ أي: بيدران؛ والأندر والبيدر: هو ما يصنع من الطين مثل الخابية وما شابه ذلك، ويوضع من أعلاه الشعير، أو القمح، ومن أسفله يأخذون ما شاؤوا، هكذا كان آباؤنا يصنعون، ((أندر القمح، وأندر الشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح))، وصلت إليه وكانت فوقه، ((أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق))؛ أي: الفضة ((حتى فاض))؛ [رواه أبو يعلى (3617)، انظر الصحيحة: (17)، فاض؛ أي: طفح وزاد وسال في الخارج].

 

وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بينا أيوب يغتسل عريانًا، فخرَّ عليه جراد من ذهب))، وفي رواية: ((جعلتها سحابة))، وفي رواية: ((كأن جرادًا نزل عليه))، لكن من ذهب، ليس أي جراد، ((فجعل أيوب يحتثي في ثوبه))، بعد أن امتلأ الأندران، جعل يضع في ثوبه ما فاض، ((فناداه ربه: يا أيوب))، الله الذي يناديه: ((ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك))؛ [رواه البخاري (279)، وفي رواية: ((عن بركاتك))، رواه النسائي (409)].

 

مال حلال ما فيه شبهة حرام، وها هي الأمطار التي تنزل علينا، لماذا لا ندخرها ونشرب منها؟ أمطار السماء في هذا الشتاء، لماذا لا نستخدم هذه الأمطار في غسيل ثيابنا، وسقاية أشجارنا؟ لماذا لا نخزنها في مخازن معينة، بأساليب متطورة اليوم، وهي موجودة بكثرة؟ آباؤنا قديمًا كانوا يخزنونها تحت الأرض، وطيلة العام يشربون منها، ونستكثر من ذلك؛ لأنها بركات من الله، ولا غنى لنا عن فضل الله سبحانه وتعالى.

 

صلوا على الهادي البشير محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

 

اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض، وبارك لنا في أهلينا وأولادنا وأموالنا، ودنيانا وأخرانا، اللهم اغفر لنا وارحمنا، واهدنا وعافنا، وارزقنا وأنت خير الرازقين، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وارزقنا علمًا تنفعنا به، اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحينا ما علمتَ الحياة خيرًا لنا، وتوفنا إذا علمت الوفاة خيرًا لنا.

 

اللهم ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيمًا لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضاء بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداةً مهتدين، واجعلنا هداةً مهديين.

 

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • التقوى
  • من ديوان الإيمان .. التقوى
  • أريج التقوى
  • خطبة عن التوكل

مختارات من الشبكة

  • التوكل على الله(مقالة - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)
  • التوكل والأسباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تقوى العامل والتقوى في العمل(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • التوكل على الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوكل على الله وفوائده (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • راحة التوكل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كورونا بين التوكل والتواكل (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة قيم التوكل وأثرها في مواجهة " كورونا"(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: التوكل على الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوكل في زمن الابتلاء (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/9/1444هـ - الساعة: 6:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب