• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ضياع الأمانة من أشراط الساعة
    د. ناصر بن سعيد السيف
  •  
    شروط وجوب الصوم
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    التنبيه على ضعف حديث في فرضية صوم رمضان على الأمم ...
    وائل بن علي بن أحمد آل عبدالجليل الأثري
  •  
    على رسلكما إنها حفصة
    السيد مراد سلامة
  •  
    تسبيح الكائنات لخالقها سبحانه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الإسراف في الطعام والشراب
    هيام محمود
  •  
    مع القرآن في رمضان (1)
    د. علي أحمد عبدالباقي
  •  
    ليلة الجن
    السيد مراد سلامة
  •  
    من آداب الصيام: تبييت النية من الليل في صوم ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    رمضان والخشية وعمارة المساجد والمصاحف (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من سلسلة أحاديث رمضان حديث: تسمعون ويسمع منكم ...
    عصام الدين بن إبراهيم النقيلي
  •  
    الفاتحة وتوحيد الأسماء والصفات
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    صلاة القيام جماعة في المسجد الحرام في خلافة عمر ...
    الشيخ أحمد الزومان
  •  
    من يرخص لهم الفطر في رمضان
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    حماية جناب التوحيد
    ولاء بنت مشاع الحربي
  •  
    حكم أكل لحم الكلاب
    وحيد بن عبدالله أبو المجد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / عون الرحمن في تفسير القرآن
علامة باركود

تفسير قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...}

تفسير قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...}
الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/7/2021 ميلادي - 1/12/1442 هجري

الزيارات: 27138

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾

 

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33].


قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ الآية.

 

قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ ﴾ الواو استئنافية، و"إذ" ظرف بمعنى "حين"، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: واذكر يا محمد حين قال ربُّك للملائكة مخبرًا لهم، وذكِّر به قومك.

 

و"الملائكة" جمع "مَلك"، وهم عالم غيبيٌّ خلقهم الله تعالى من نور، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((خُلِقت الملائكة من نور، وخُلِق الجانُّ من مارج من نار، وخُلِق آدم مما وُصِف لكم))[1].

 

والإيمان بالملائكة ركنٌ من أركان الإيمان الستة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرِّه))[2].

 

فيجب الإيمان بهم على وجه الإجمال، كما يجب الإيمان بما ذكر في الكتاب والسنة من أسمائهم وأوصافهم وأعمالهم، وبما منحهم الله من قوة وقدرة على القيام بما كلِّفوا به من أعمال على جهة التفصيل، كما قال تعالى في وصفهم: ﴿ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [فاطر: 1]، وقال تعالى في وصف خزنة النار: ﴿ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ ﴾ [التحريم: 6]، وقال تعالى في وصف طاعتهم وعملهم: ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 27].

 

فمنهم الموكَّل بالوحي كجبريل عليه السلام.

 

كما قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 97]، وهو الروح الأمين كما قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ [الشعراء: 193].

 

ومنهم الموكَّل بالقَطْر والنبات كميكائيل عليه السلام.

 

ومنهم الموكَّل بقبض أرواح بني آدم، وهو ملَك الموت وأعوانه من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب كما قال تعالى: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السجدة: 11]، وقال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بِيضُ الوجوهِ.. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة سُودُ الوجوه..))[3].

 

ومنهم الموكَّل بالنفخ بالصور، وهو إسرافيل عليه السلام.

 

ومنهم حملة العرش، كما قال تعالى: ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 17].

 

ومنهم الموكلون على العباد بحفظهم وحفظ أعمالهم، كما قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12].

 

ومنهم الموكلون بالرحم والنطف كما في الحديث: ((فيرسل إليه الملَك، فينفخ فيه الروح))[4].

 

ومنهم الموكَّلون بالسؤال في القبر، كما في حديث البراء: ((ويأتيه ملَكانِ فيُجلِسانه فيقولان له: من ربُّك؟ وما دينك؟ وما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟))[5].

 

ومنهم الموكلون بالشمس والقمر والأفلاك، ومنهم الموكلون بالجنة والنار.

 

ومنهم الموكلون بعمارة السموات بالعبادة والصلاة والتسبيح والتقديس، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206]، وقال تعالى: ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 20]، وقال تعالى حكاية عنهم: ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴾ [الصافات: 165، 166].

 

﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾؛ أي: إني مصير ومستخلف في الأرض خليفة.

 

وفي هذا إثبات الأفعال لله عز وجل، وأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، كما قال تعالى: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: 16].

 

والخليفة: من يخلف غيره وينوب عنه.

 

أي: إني جاعل في الأرض خليفة يقيم شرع الله في أرض الله، ويخلفه من بعده قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل، كما قال تعالى: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [ص: 26].

 

وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 14]، وقال تعالى: ﴿ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾ [النمل: 62]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 129]، وقال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: 55].

 

وقيل: خليفة لمن سبقه؛ لأن الأرض كانت معمورة بطائفة من المخلوقات الجن أو غيرهم، أفسَدوا في الأرض وسفَكوا الدماء؛ ولهذا قالت الملائكة: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ [البقرة: 30].

 

وفي الآية امتنان على آدم وذريته بالتنويه بذِكرِهم في الملأ الأعلى قبل خلقهم.

 

﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾؛ أي: قالت الملائكة: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ﴾ والاستفهام هنا ليس اعتراضًا على الله، ولا حسدًا لبني آدم، وإنما هو استعلام واستجلاء لوجه الحكمة في جعل هذا الخليفة، مشوبًا بالتعجب؛ وذلك لعلمِهم أنه عز وجل لا يفعل إلا لحكمة، وأن المقصود من جعل الخليفة في الأرض هو إصلاحها وعمارتها.

 

و"مَن" موصولة؛ أي: أتجعل في الأرض الذي يُفسِد فيها بالكفر والمعاصي ﴿ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾؛ أي: إن من هذا الجنس من يفعل ذلك.

 

ومعنى ﴿ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾؛ أي: ويريق الدماء، وهذا من أعظم الفساد في الأرض، فعطفه على ما قبله أشبه بعطف الخاص على العام.

 

وهذه المقالة من الملائكة بحسب ظنهم أن هذا الخليفة في الأرض سيحدُث منه ذلك؛ ولهذا قالوا بعده:

﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ﴾: الواو: حالية، أي: والحال أننا نسبح بحمدك، أي: نجمع بين تسبيحك وحمدك، ونقرن بينهما.

 

والتسبيح: تنزيه الله عن النقائص والعيوب وعن مماثلة المخلوقين، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38]، وقال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].

 

وأن كل كمال فهو أولى به، كما قال عز وجل: ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27].

 

ويطلق التسبيح على ما هو أعم من ذلك من أنواع العبادة كلِّها، كالذكر والصلاة وقول: "سبحانك ربنا وبحمدك"، و"سبحان الله وبحمده"، "سبحان الله العظيم" ونحو ذلك.

 

والباء في قولهم: ﴿ بِحَمْدِكَ ﴾ للمصاحبة، أي: نسبحك تسبيحًا مصحوبًا ومقرونًا بحمدك.

 

والحمد: وصف المحمود بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم، فحمد الله وصفه بصفات الكمال مع محبته وتعظيمه.

 

﴿ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾التقديس: التعظيم والتطهير ومنه سميت الأرض المقدَّسة؛ أي: المطهَّرة، واللام في "لك" للاختصاص والإخلاص؛ أي: نعظِّمك ونمجدك ونكبِّرك ونصلِّي لك خاصة.

 

ويحتمل أن المعنى: ونحن نسبح بحمدك؛ أي: ننزهك ونثني عليك ونعظمك بالأقوال والأفعال، ونقدِّسك؛ أي: نعظمك ونطهرك بالاعتقاد في القلوب.

 

فجمعوا بين تنزيه الله عز وجل عن النقائص والعيوب وعبادته بالتسبيح، وإثبات الكمال له بالحمد، وتعظيمه وتطهيره بالتقديس، وعبَّروا بالجملة الاسمية في قولهم: ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30]؛ للدلالة على ثبوتهم واستمرارهم على ذلك، كما قال تعالى عنهم: ﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [الأنبياء: 20]، وقال تعالى: ﴿ فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ﴾ [فصلت: 38].

 

بينما عبَّروا بالجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث في قولهم: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ [البقرة: 30]؛ أي: من يحصل منهم هذا الفعل تارة بعد أخرى.

 

وقول الملائكة: ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ ليس من باب التزكية لأنفسهم؛ لأن الله قد نهى عنها كما قال تعالى: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النجم: 32]، وإنما قولهم هذا من قبيل الإخبار بأنهم يقومون بعبادته عز وجل، ويسبِّحون بحمده ويعظمونه، وامتداح تنزيه الله وحمده وتقديسه.

 

﴿ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ هذا جواب لقول الملائكة: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ﴾ الآية؛ أي: قال الله مجيبًا للملائكة على قولهم هذا: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾من أمر هذا الخليفة، وما في خلقه من الحِكَمِ العظيمة من عمارة هذا الكون، وما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية والأخروية.

 

قال ابن كثير[6]: "إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم...".

 

وقال ابن القيم[7]: "رد على الملائكة لما سألوه كيف يجعل في الأرض من هم أطوعُ له منه؟ فقال: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾، فأجاب سؤالهم بأنه يعلم من بواطن الأمور وحقائقها ما لا يعلمون، وهو العليم الحكيم، فظهر من هذا الخليفة من خيار خلقه ورسله وأنبيائه وصالحي عباده والشهداء والصديقين والعلماء وطبقات أهل العلم من هو خير من الملائكة، وظهر إبليس من هو شر العالمين، فأخرج سبحانه هذا وهذا، والملائكة لم يكن لهم علم لا بهذا ولا بهذا، ولا ما في خلق آدم وإسكانه الأرضَ من الحكم الباهرة".

 

وقال أيضًا: "فالرب تعالى كان يعلم ما في قلب إبليس من الكفر والكبر والحسد ما لا يعلمه الملائكة، فلما أمرهم بالسجود، ظهر ما في قلوب الملائكة من الطاعة والمحبة والخشية والانقياد، فبادروا إلى الامتثال، وظهر ما في قلب عدوِّه من الكبر والغش والحسد، فأبى واستكبر وكان من الكافرين.

 

ففي الآية إثبات الحكمة في أفعال الله عز وجل، سواء ظهرت للخلق أو لم تظهر لهم، والرد على من نفى الحكمة عن الله عز وجل في أفعاله، وقال: إنه يفعل لمجرد المشيئة بلا حكمة - كما تقول الأشاعرة.

 

وفيها الرد على المعتزلة القائلين بأنهم يحيطون بوجوه الحكمة في أفعال الله عز وجل، فينفون أمورًا كثيرة عن الله في عقولهم، ويدَّعون أن إثباتها ينافي حكمة الله، مثل نفيهم خلْقَه لأفعالِ العباد، بدعوى أنه لو خلقها كانوا مجبورين عليها، فكيف يعذِّبهم بما ليس فعلًا لهم؟ هذا لا يليق بالحكمة[8].


المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »



[1] أخرجه مسلم في الزهد والرقائق (2996) - من حديث عائشة رضي الله عنها.

[2] سبق تخريجه.

[3] أخرجه أحمد (4/ 287- 288، 296) - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

[4] سبق تخريجه.

[5] أخرجه أبو داود في السنة (4753).

[6] في "تفسيره" ( 1 /100).

[7] انظر "بدائع التفسير" (1/ 299، 302).

[8] انظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" (8/ 91) "إيثار الحق على الخلق" ص (201) وما بعدها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • تفسير قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا}
  • تفسير قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم ...)
  • تفسير قوله تعالى: (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين)
  • تفسير قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر ...)
  • تفسير قوله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ...)
  • تفسير قوله تعالى: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ...)
  • تفسير قوله تعالى: (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا)
  • تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب ...)

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير قوله تعالى: { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم... }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمو مدينة سينسيناتي يوزعون 30 ألف وجبة إفطار خلال رمضان
  • افتتاح أكبر مسجد بجنوب داغستان
  • مؤتمر عن "أثر الصيام في حياة الإنسان" في ألبانيا
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/9/1444هـ - الساعة: 15:53
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب