• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    غنى الخالق عن خلقه وافتقار جميع خلقه إليه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    قبسات من أنوار عفوه وصفحه صلى الله عليه وسلم عمن ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    واجبنا قبل رمضان
    الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
  •  
    دموع الخشية من الله عز وجل
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    حسن الاستعداد لموسم الزاد (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    تفسير: (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: يا محمد، ألا تخبرني ما الإيمان؟
    الشيخ طارق عاطف حجازي
  •  
    تحويل القبلة: تأملات وعبر
    د. عبدالمحمود يوسف عبدالله
  •  
    يسمونها بغير اسمها
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    جدول أحوال أصحاب الفروض
    علي بن يحيى بن محمد عطيف
  •  
    رفيقك عند تلاوة القرآن (تفاسير مختصرة)
    سالم محمد أحمد
  •  
    خطبة بين يدي رمضان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    أحكام العارية ونوازلها والأدلة والإجماعات الواردة ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    المرشد اليسير للتعامل مع التفاسير
    منى بنت سالم باخلعة
  •  
    القرآن سكينة القلوب (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

تأملات في اسمه تعالى الوكيل

تأملات في اسمه تعالى: (الوكيل)
أ. د. وجيه يعقوب السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/7/2021 ميلادي - 17/12/1442 هجري

الزيارات: 3912

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأملات في اسمه تعالى: (الوَكِيل)


التوكل على الله تعالى من أعظم العبادات، وقد جعله الله تعالى شرطًا لصحة الإيمان، فلا إيمان لمن لم يتوكل على ربه، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، وفي الآية الكريمة نلاحظ تقديم الجار والمجرور على الفعل ليُفيد التخصيص؛ أي على الله وحده توكلوا، ولم يَردِ الأمرُ بالتوكل في القرآن الكريم إلا في هذه الصيغة التي تفيد القصر، قال سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه: التوكل على الله جِمَاع الإيمان.

 

والتوكل معناه: أن يعتمدَ المرءُ على ربه في كل أحواله، ويلتجئَ إليه في كل صغيرة وكبيرة، وأن يُسلِّم أمره بالكلية لله، ويثقَ بموعوده في العاجل والآجل؛ فإنه من توكل على الله كفاه ما أهمَّه من أمر دينه ودنياه، ومن توكل على أحد سواه وَكَلَه الله إليه، ولا يتنافى ذلك مع الأخذ بالأسباب، والسعيِ في الأرض من أجل كسب الرزق، ففي ذلك فليتنافس المتنافسون، فالذي أمرنا بالتوكل عليه سبحانه وتعالى، هو الذي أمرنا بالسعي في الأرض وعمارتِها وطلبِ الدواء إن مرضنا، وهو الذي طلب منا أن نأخذ حِذْرَنا ونعُدَّ العدة لاتقاء شر أعدائنا والمتربصين بنا، وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا لا يغادر المسجد، معتمدا على أن ينفق عليه أخوه، فأمره بالعمل والسعي من أجل كسب الرزق، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وصحح له مفهومه القاصر عن التوكل.

 

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أكثرَ الخَلق توكلا على الله، لأنه أعلمُهم وأعرفُهم بربه سبحانه وتعالى؛ لذلك لم يخش مخلوقا، ولم يرهب أحدا، فبَلَّغَ الرسالةَ وأدى الأمانة ونصح للأمة، وجاهد في سبيل الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، وكان الصحابة رضوان الله عليهم، الذين تخرجوا في مدرسة القرآن الكريم، وتربَّوْا على يدي الرسول صلوات ربي وسلامه عليه، يتوكلون على الله حق توكله، في كل أعمالهم وأنشطتهم، في حربهم وسلمهم، وفي حلهم وترحالهم، وفي سعيهم ووقتِ راحتهم، فلم يرهبوا عدوا، ولم يخشوا سلطانا جائرا، ولم ينشغلوا على أرزاقهم ولا على آجالهم؛ فالله تعالى هو وحده الذي يتولى شؤونهم، ويدبر أمورهم، فعاشُوا رجالا أعزة، وكفاهم الله أعداءهم وشرَّ أنفسهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، لذلك كانوا قدوتنا التي نقتدي بها، كما أمرنا الرسول الكريم فقال: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

 

وهذا موقف من مئات المواقف التي تؤكد على حسن توكلهم على ربهم؛ فبعد انتهاء غزوة أحد، ورغم الجراح والآلام التي أصابت المسلمين بسبب الهزيمة، طلب منهم الرسول صلى الله عليه وسلم الاستعدادَ لملاحقة فلول المشركين، فاستعدوا أحسن استعداد، ولبسوا لباس الحرب، وتأهبوا لملاقاة المشركين، وعندما رأى المنافقون أن الحياة تدب فيهم من جديد بعد الانكسار، ورأوا إصرارهم على تحقيق النصر على المشركين، حاولوا منعهم بشتى الطرق حتى لا يتحققَ لهم ما يريدون، لأنهم يُبغِضون الإسلام والمسلمين، ولا يريدون لهم إحراز أي نصر على أعدائهم، لكنهم لم يُفلِحوا في ذلك، وراحوا يتظاهرون بالمودة وإسداءِ النُّصح لهم، وأنهم إنما يفعلون ذلك لأنهم يخافون عليهم من الموت المحقق، لأن أعداد المشركين كبيرة جدا، وهم في كامل جاهزيتهم واستعدادهم، وربما كان ذلك بإيعاز من المشركين أنفسهم لأنهم كانوا يخافون من مواجهة المسلمين رغم جراحهم وآلامهم.

 

وكان مما قاله المنافقون لتثبيط المسلمين: نحن أصحابكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم أول مرة، ولكنكم عصيتمونا، وقد قاتلوكم في دياركم من قبل وانتصروا عليكم، فإن ذهبتم إليهم في ديارهم فلن يعود منكم أحدٌ، فقد وصلتنا الأخبار أنَّ أهل مكة جمعوا لكم جموعًا كثيرةً لا قبل لكم بها، فاحذروهم فإنه لا طاقة لكم بهم، لكن كلام المنافقين هذا، لم يزد المسلمين الصَّادقين إلا ثباتاً ويقيناً، فواصلوا السير وقالوا في يقين وثبات: حسبنا الله ونعم الوكيل، وعلم أبو سفيان بعزم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على ملاحقته وجيشِه فأسرع الخطى عائدا إلى مكة، وقذف الله الرعب في قلوبهم.

 

قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173، 174]، لقد سجّل القرآن الكريم هذا الموقف ليكون درساً لكل مؤمن في كل وقت وحين، فلا يتوكل إلا على ربه في كل أحواله، قال المفسرون: لما فوَّض المسلمون أُمورهم إلى الله تعالى، واعتمدوا بقلوبهم عليه، أعطاهم من الجزاء أربعة معانٍ: النِّعمةَ، والفضلَ، وصَرْفَ السُّوء، واتِّباعَ الرِّضا، فرضَّاهم عنه ورضي عنهم.

 

فسبحان الله (الوكيل) الذي تُفَوَّض إليه أمور الخلائق فيكفيهم ويدبِّر لهم ما يصلحهم، وسبحان الله تعالى (الوكيل) الكافي لمن توكَّل عليه، فمن توكَّل على الله وترك أمره بيده أغناه عمَّا سواه، وأمَّنه ممَّا يخاف، وكيف يخاف أو يحزن وأموره بيد الرحمن الرَّحيم اللطيف الودود الحق الوكيل؟

 

ومن نفيس ما قاله الفخر الرازي رضي الله عنه في هذا المعنى: واعلم أن الوَكالة من الوكيل قَُبولُه الأمورَ الموكولةَ إليه، وقيامُه بما يُتَوَكَّل عليه، وهو فعيل بمعنى مفعول، فالوكيل في صفات الله تعالى بمعنى الموكول إليه، فإن العباد وَكَلُوا إليه مصالحهم، واعتمدوا على إحسانه، وذلك لأن تفويض المهمات إلى الغير إنما يحسُن عند وجود شرطين:

أحدهما: عجزُ المُوَكِّل عن إتمامه، ولا شك أن الخلق جميعهم عاجزون عن تحصيل مهماتهم بأنفسهم.

 

والثاني: كونُ الموكولِ إليه موصوفا بكمال العلم، والقدرة، والشفقة، والبراعة، والنزاهة عن طلب النصيب، لأن الجاهل بالأمر لا يحسُن توكيلُ الأمر إليه، وكذلك الفاجر، ثم إنْ كان عالما قادرا، لكنه لا يكون له شفقة لم يحسُن أيضا تفويضُ الأمر إليه، ثم إنْ حصُلت هذه الصفاتُ الثلاث؛ وهي العلم، والقدرة، والرحمة، ولكنه قد تَطَّلب النصيب لم يحسُن أيضا تفويضُ الأمر إليه، لأنه لا مَحالة يُقَدِّم مصالح نفسه على مصالحك، فتصيرُ مصالحك محتملة، فأما إذا حصُلت الصفاتُ الأربعُ فحينئذ يحسُن توكيلُ المصالح وتفويضُها إليه، ولا شك أن كمالَ هذه الصفات غيرُ حاصل إلا لله سبحانه وتعالى، فمن ثم كان وكيلا، بمعنى أن العباد فوضوا إليه مصالحهم، وهذا هو المراد من قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58]، ومن قوله: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]، ومن قوله عليه الصلاة والسلام: لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا". (انظر: فخر الدين الرازي: لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات). ومعنى: تغدو خِماصًا أي تخرج للبحث عن رزقها وهي خالية البطن، وتعود بطانًا: أي ممتلئة البطن، وحقَّ توكُّله: أي التوكُّل الصَّحيح اللاَّئق باللَّه عزَّ وجلَّ.

 

وهذا الكلام للفخر الرازي نفيس للغاية، فهو يوضح معنى هذا الاسم الجليل وحقيقَته بصورة مفصلة، وقد دارت تعريفاتُ الأئمة والمفسرين حول هذا المعنى ولم تخرج عنه؛ فيقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: الوكيل هو الموكول إليه الأمور، والموكول إليه الأمور ينقسم إلى قسمين: من يُوكَل إليه بعضُ الأمور وذلك ناقص، ومن يُوكَل إليه الأمور كلُّها وليس ذلك إلا الله سبحانه وتعالى، فالوكيل المطلق والوكيل بحق هو الله تعالى. (انظر: الإمام الغزالي: المقصد الأسنى).


ويقول الشيخ السعدي رحمة الله عليه: الوكيلُ هو المتولي لتدبير خلقه بعلمه وكمال قدرته وشمول حكمته، والذي تولى أولياءه، فيَسَّرَهم لليُسرى، وجنَّبَهم العُسرى، وكفاهم الأمور، فمن اتخذه وكيلاً كفاه، فهو سبحانه وتعالى المُوَكَّل والمُفَوَّض إليه، وأن الخلق والأمر له، لا يملك أحدٌ من دونه شيئا، المتصرف لغيره لعجز مُوَكِّلِه، والوكيلُ أيضا هو الحافظ سبحانه وتعالى، والكفيل بأمر الخلائق جميعا، فحين تقول: وكلتُ أمري إلى الله أي جعلتُه يليه دوني، وينظرُ فيه بدلا مني، فالله عز وجل وكيل عباده؛ أي كافيهم أمورَهم وأسبابَهم.

 

لقد أمر الله المسلمين بحسن التَّوكل عليه، والاعتماد عليه، فإن فعلوا ذلك لم يتخلَّ عنهم، وأيدهم بنصره وتثبيته وتوفيقه، وقد تكرر الأمر بضرورة التوكل على الله وحده في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة كثيرا.

 

قال تعالى: ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].

 

وقال تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ﴾ [النساء: 81].

 

وقال تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [هود: 12].

 

وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾ [المزمل: 8، 9].

 

وقال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة المائدة: 23].

 

وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [سورة آل عمران: 159].

 

ولا تحتاج الآيات الكريمة إلى شرح وتوضيح؛ فالأمر فيها واضح وجلي ومباشر بضرورة تفويضِ الأمر كله لله، والاعتمادِ عليه وحده، والتوكلِ عليه سبحانه وتعالى، وفيها تأكيد على أن النصر والرزق والعمر والصحة وكل شيء بيد الله تعالى وحده، يعطيها من يشاء ويمنعها عن من يشاء، وهو ينصر عباده المؤمنين ولا يخذلهم أبدا، حتى لو هُزِموا في بعض المعارك والمواجهات، وأنهم إذا تمسكوا بما أمرهم الله تعالى به، لما عَانَوْا مرارة الهزائم والانكسارات، وما عاشوا في غياهب التخبط والزيغ والضلال، فهو سبحانه وتعالى يؤيدهم بالحجة والبرهان دائما وأبدا، فهم على الحق، ودينهم الحق، ونبيهم حق، وكتابهم حق، ومنهجهم هو الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟

 

وما أكثر أحاديثَ النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهاتِه في هذا الباب، وقد ضرب المثل بنفسه، ومن خلال سلوكه العملي في حسن التوكل على الله، فكان قدوة حسنة لمن أراد أن يسبق ويسارع إلى مرضاة ربه؛ فهو صلوات ربي وسلامه عليه حين هاجر من مكة إلى المدينة لم يخش عاقبة خروجه وهجرته، بل فوض أمره إلى الله، وأخذ بأسباب الحيطة والحذر، فكانت هجرته أعظم هجرة وأعظم حدث غَيَّرَ مجرى التاريخ، وحين خاض الحروب ضد الشرك والمشركين، لم يعتمد على السلاح ولا على العدد والعُدَّة، وإنما على يقينه بالله، وتأييدِ الله تعالى له ولأنصاره، وفي كل شؤونه كانت حياته ترجمة حقيقية لهذا المعنى الجليل؛ فهو يطلب الرزق من الله وحده، وحين يضع جنبه على فِراشه يطلب من الله وحده أن يحفظه، وحين يدعو الناس لا ينتظر النتيجة، وإنما يكفيه أن يقوم بما أمره الله تعالى به، وهذه طائفة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، التي تحثنا على التوكل على الله وحده، وتوضح المقصود به، نسأل الله تعالى أن ينفعنا بها، وأن يرزقنا حسنَ التوكل عليه والإنابةَ إليه.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: بسم الله، توكَّلتُ على الله، ولا حول ولا قوَّة إلا باللَّه، يقال له: كُفيت ووُقيت وهُديت، وتنحَّى عنه الشّيطان. فيقول لشيطانٍ آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي وكُفي ووُقي. (رواه أبو داود).


وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرضت عليَّ الأمم، فرأيتُ النبيَّ ومعه الرَّهط - أي جماعةٌ قليلةٌ -، والنبيَّ معه الرجل والرجلان، والنبيَّ وليس معه أحدٌ، إذ رُفع لي سوادٌ عظيمٌ، فظننتُ أنهم أمَّتي فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرتُ فإذا سوادٌ عظيمٌ - أي عددٌ كبيرٌ - فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سوادٌ عظيمٌ، فقيل لي: هذه أمَّتك، ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنّة بغير حسابٍ ولا عذاب، ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنَّة بغير حسابٍ ولا عذابٍ، فقال بعضهم: فلعلَّهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلَّهم الذين وُلدوا في الإسلام، فلم يُشركوا باللَّه شيئًا، وذكروا أشياء كثيرة، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه. فقال: هم الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربِّهم يتوكَّلون، فقام عُكَّاشة بن مِحصن، فقال: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: أنت منهم. فقام رجل آخر من المهاجرين، فقال: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: سبقك بها عكاشة. (متفق عليه).


وليس المقصود هنا تحريم الرقية والاسترقاء، فقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم من تمام إيمانهم ويقينهم وحسن توكلهم على الله، لم يلجأوا إليها إلا في الضرورة، وربما تركوا المباح طالما لم يحتاجوا إليه.

 

وقال رسول صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزق الطَّير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا. (رواه الترمذي).


وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.

 

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والإنس والجن يموتون.

 

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أسألك التوفيق لمحابك من الأعمال، وصدق التوكل عليك، وحسن الظن بك.

 

وهذه طائفة من أقوال السلف الصالح، ما أحرانا بتمثلها والعمل بها، إذا أردنا أن نعيش في سعادة واستقامة.

 

قال لقمان لابنه: يا بني، الدنيا بحر غَرِق فيه أناسٌ كثيرٌ، فإن استطعت أن تكون سفينتُك فيها الإيمانَ بالله، وحشوُها العملَ بطاعة الله عز وجل، وشراعُها التوكلَ على الله؛ لعلك تنجو.

 

ويروى أن عمر بن الخطاب لقي ناسا من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل أنتم المتكلون، إنما المتوكل الذي يُلقِي حبه في الأرض، ويتوكل على الله.

 

وقال الحسن رضي الله تعالى عنه: العز والغنى يجولان في طلب التوكل، فإذا ظفرا أوطنا.

 

وقال الفضيل: التوكل هو أن ترضى بكل ما صنع في العافية والبلاء، لا تسخطُ على ما زوى عنك، وتثقُ بما آتاك.

 

وقال أحد الصالحين: بحسبك من التوكل عليه، أن يعلم من قلبك حسنَ توكلك عليه، وكم من عبد من عباده قد فوض إليه أمره، فكفاه منه ما أهمه. قال تعالى:" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب".

 

وقال أحد الحكماء: لو عامل العبدُ ربَّه بحسن التوكل، وصدقِ النية له بطاعته؛ لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم، فكيف يكون هذا محتاجا، وموئله وملجؤه إلى الغني الحميد؟

 

وقال رجل لمعروف الكرخي: أوصني، قال: توكل على الله حتى يكون جليسَك وأنيسَك، وموضعَ شكواك، وأكثرْ ذكرَ الموت حتى لا يكونَ لك جليسٌ غيرُه، واعلم أن الشفاء لما نزل بك كتمانُه، وأن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك، ولا يعطونك ولا يمنعونك.

 

وقال بعض الحكماء: التوكل على ثلاث درجات: أولاها تركُ الشِّكاية، والثانية الرضا، والثالثة المحبة، فتركُ الشكاية درجة الصبر، والرضا سكونُ القلب بما قسم الله له، وهي أرفع من الأولى، والمحبة أن يكون حبُّه لما يصنع الله به، فالأولى للزاهدين، والثانية للصادقين، والثالثة للمرسلين.

 

وما أجمل ما قاله الشاعر:

قد قدر الله الأمور بعلمه
فيها على المحروم والمرزوق
فإذا طلبتَ فلا إلى مُتَطَلِّب
وإذا اتكلتَ فلا على مخلوق
فإذا اتكلتَ فكن بربك واثقا
لا ما تَحَصَّل عندك الموثوق

 

وقال أحدهم: إن فوضت أمرك إلى الله، اجتمع لك في ذلك أمران؛ وهما: قلةُ الاكتراث بما قد ضَمِن لك، وراحةُ البدن من مطلب ذلك، فأيُّ حال أكبرُ من حال المطيع له، والمتوكلِ عليه كفاه الله بتوكله عليه الهَمَّ، وأعقبه الراحة؟

 

ويروى أن رجلا جاء إلى الربيع بن عبد الرحمن، فسأله أن يكلم الأمير في حاجة له، فبكى الربيع، ثم قال: أي أخي، اقصد إلى الله في أمرك تجده سريعا قريبا، فإني ما ظاهرت أحدا في أمر أريده إلا اللهَ عز وجل، فأجده كريما قريبا لمن قصده وأراده وتوكل عليه.

 

اللهمَّ اجعلني ممن توكل عليك فكفيته، واستهداك فهديته، واستنصرك فنصرته، اللهم إني أسألك خوفَ العالمين بك، وعلمَ الخائفين لك، وتوكلَ المؤمنين بك، ويقينَ المتوكلين عليك، وإنابةَ المخبتين إليك، وإخباتَ المنيبين إليك، وصبرَ الشاكرين لك، وشكرَ الصابرين لك، وإلحاقا بالأحياء المرزوقين عندك، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكَّلت، وإليك أنبت وبك خاصمت، باسم الله، آمنت بالله، واعتصمت بالله، وتوكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهمَّ عليك توكَّلنا فاشملنا بعفوك وكرمك يا نعم المولى ويا نعم النصير، يا حق يا وكيل يا قوي يا متين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • تأملات في اسمه تعالى المجيب
  • تأملات في اسمه تعالى المصور
  • تأملات في اسمه تعالى الرحمن
  • تأملات في كلمة فطر أو الفطرة

مختارات من الشبكة

  • تأملات في اسمه تعالى الضار النافع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في اسمه تعالى الواسع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات حول اسمه تعالى المؤمن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في أسماء الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في اسمي الله تعالى القوي والمتين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في اسم الله الكافي(مادة مرئية - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • تأملات في اسم الله تعالى الخالق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات إيمانية في اسم الودود (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في اسم الله اللطيف(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تأملات في اسم الله العليم(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية
  • متطوعون مسلمون يحضرون 1000 حزمة طعام للمحتاجين في ديترويت

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/8/1444هـ - الساعة: 14:40
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب