فضل المؤذن المبتغي بأذانه وجه الله تعالى

فضل المؤذن المبتغي بأذانه وجه الله تعالى

1- المؤذن يشهد له يوم القيامة كل شيء سمع صوته:

فقد أخرج البخاري عن عبدالرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى[1] صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء، إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية ابن خزيمة أنه قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر، ولا جن ولا إنس، إلا شهد له"؛ (صحيح الترغيب والترهيب:232).

2- المؤذن يغفر له مدى صوته:

فقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغفر للمؤذن منتهى أذانه، ويستغفر له كل رطب ويابس سمعه"؛ (صحيح الترغيب والترهيب:233).

وأخرج الإمام أحمد والنسائي عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يغفر له مدى صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله [مثل] أجر من صلى معه"؛ (صحيح الترغيب والترهيب:235) ( صحيح الجامع: 1929).

قال الخطابي- رحمه الله - في" معالم السنن: 1 /281: " وقول النبي صلى الله عليه وسلم "يغفر له مدى صوته"؛ يعني غايته، والمعنى أنه يستكمل مغفرة الله تعالى-إذا استوفى وسعه في رفع الصوت، فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت"؛ اهـ.

وقال الحافظ- رحمه الله-: "ويشهد لهذا القول رواية من قال: يغفر له مدَّ صوته بتشديد الدال؛ أي بقدر مدِّه صوته، قال الخطابي رحمه الله: وفيه وجه آخر وهو أنه كلام تمثيل وتشبيه، يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو يقدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة، لغفرها الله"؛ اهـ (المصدر السابق).

وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤذن يغفر له مدَّ صوته، وأجره مثل أجر من صلى معه"؛ (صحيح الترغيب والترهيب:236) (صحيح الجامع: 6643).

وأخرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس، وشاهد الصلاة[2] يكتب له خمس وعشرون حسنة، ويكفر عنه ما بينهما"؛ (لترغيب والترهيب:234) (صحيح الجامع: 6644).

وفي رواية عند الإمام أحمد بلفظ: "إن المؤذن يغفر له مدى صوته، ويصدقه كل رطب ويابس سمع صوته، والشاهد عليه خمس وعشرون درجة"؛ (صحيح الجامع:1929).

3- المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة:

فقد أخرج الإمام مسلم عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة".

وقوله صلى الله عليه وسلم: "أطول الناس أعناقًا"، قيل: يعني أكثر الناس عملًا، يقال لفلان عنق من الخير؛ أي قطعه، وقيل: هم أطول الناس رقابًا وأرفعهم رؤوسًا؛ لأنهم مشرئبون حتى يُؤْذَنَ لهم في دخول الجنة، ويحتمل أن أعناقهم لا تزيد طولًا، وإنما هو لعلو مكانهم؛ لأنهم يكونون يوم القيامة على كثيب من مسك؛ كما ورد في رواية الإمام أحمد لكن بسند فيه مقال.

وقال النووي- رحمه الله -: "المؤذنون أطول الناس أعناقًا"، هو بفتح همزة أعناقًا جمع عنق، واختلف السلف والخلف في معناه، فقيل: معناه أكثر الناس تشوقًا إلى رحمة الله تعالى؛ لأن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه، فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب، وقال النضر بن شميل: إذا ألجم الناس العرق يوم القيامة طالت أعناقهم، لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق، وقيل: معناه أنهم سادة ورؤساء، والعرب تصف السادة بطول العنق، وقيل :معناه أكثر أتباعًا، وقال ابن الأعرابي: معناه أكثر الناس أعمالًا، وقال القاضي عياض وغيره ورواه بعضهم إعناقًا بكسر الهمزة؛ أي إسراعًا إلى الجنة وهو من سير العنق".

4- المؤذن من خيار خلق الله تعالى:

فقد أخرج الطبراني في الكبير والبزار والحاكم عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله تعالى"؛ (الصحيحة:3440) (صحيح الترغيب والترهيب:244).

قال المناوي -رحمه الله-: وقوله صلى الله عليه وسلم: الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة؛ أي: يترصدون دخول الأوقات بها لأجل ذكره من الأذان للصلاة ثم لإقامتها، ولإيقاع الأوراد في أوقاتها المحبوبة، وقال في" البرهان": في المراعاة أمور ظاهرة وأمور باطنة، أما الظاهرة فالرؤية بحاسة البصر في الطلوع والتوسط والغروب والحركة، فإذا تأمله المتأمل ذكر الله وسبحه ومجَّده بتحقيق، ولا سيما إذا أطلعه الله على أسرار نتائجها، وأفعالها، ومن اشتغل عنها؛ مما يدل على إحكام القدرة الأزلية في المصنوعات المترتبة على الأسباب"؛ اهـ.

5- المؤذن مؤتمن:

فقد أخرج أبو داود والترمذي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم "الإمام ضامن[3]، والمؤذن مؤتمن[4]، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين"، وفي رواية: فأرشد الله الأئمة، وغفر للمؤذنين؛ (صحيح الترغيب والترهيب:237)، (الإرواء:217).

وعند ابن خزيمة بلفظ: "المؤذنون أمناء، والأئمة ضمناء، اللهم اغفر للمؤذنين وسدد الأئمة[5]- ثلاث مرات"؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 237).

وعند ابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، فأرشد الله الأئمة، وعفا عن المؤذنين"؛ (صحيح الترغيب والترهيب:239).

وأخرج البيهقي في سننه عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون"؛ (حسنه الألباني في الإرواء221).

وفي رواية: "المؤذنون أمناء المسلمين على فطرهم وسحورهم" (صحيح الجامع:6647).

وأخرج البيهقي عن الحسن مرسلًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم وحاجتهم"؛ (صحيح الجامع:6646).

6- المؤذن ينجيه الله من النار:

أخرج ابن خزيمة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا وهو في مسير له يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال النبي: صلى الله عليه وسلم خرج من النار"، فاستبق القوم إلى الرجل، فإذا راعي غنم حضرته الصلاة فقام يؤذن"؛ (صحيح الترغيب والترهيب:245) (وهو عند مسلم بنحوه).

7- المؤذن يدخله الله الجنة:

أخرج ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" : من أَذَّن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، وبكل إقامة، وفي رواية: وبإقامته ثلاثون حسنة"؛ (الصحيحة:42) (صحيح الترغيب والترهيب:248) (صحيح الجامع:6002).

وأخرج أبو داود والنسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يعجب ربك[6] من راعي غنم في رأس شظية[7] بجبل يؤذن للصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة"؛ (الصحيحة:41) (صحيح الترغيب والترهيب: 247) (صحيح الجامع:8102).

تنبيه :يستحب للمؤذن إذا أراد أن يتحصل على هذا الأجر أن يكون محتسبًا، فقد روى أبو داود والترمذي وحسنه من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال :"إن من آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا"؛ (صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود).

وقوله: "لا يأخذ على أذانه أجرًا"؛ أي: محتسبًا طالبًا بأذانه وجه الله تعالى وما عنده، مؤملًا من فضل الله عز وجل وسعة جوده، أن يجعله مما يحاسبه بثوابه يوم القيامة، قد أعدَّه ذخرًا له يوم فاقته وعند حاجته إلى الجزاء لم يأخذ عليه أجرًا، ولم يشتر به ثمنًا، ولم يطلب عليه ثناءً ولا شكرًا، قد أخلص فيه نيته، وصحح عزيمته، وثوقًا بالله فيما وعد به من حسن الجزاء وعظيم الثواب.