• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    غنى الخالق عن خلقه وافتقار جميع خلقه إليه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    قبسات من أنوار عفوه وصفحه صلى الله عليه وسلم عمن ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    واجبنا قبل رمضان
    الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
  •  
    دموع الخشية من الله عز وجل
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    حسن الاستعداد لموسم الزاد (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    تفسير: (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: يا محمد، ألا تخبرني ما الإيمان؟
    الشيخ طارق عاطف حجازي
  •  
    تحويل القبلة: تأملات وعبر
    د. عبدالمحمود يوسف عبدالله
  •  
    يسمونها بغير اسمها
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    جدول أحوال أصحاب الفروض
    علي بن يحيى بن محمد عطيف
  •  
    رفيقك عند تلاوة القرآن (تفاسير مختصرة)
    سالم محمد أحمد
  •  
    خطبة بين يدي رمضان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    أحكام العارية ونوازلها والأدلة والإجماعات الواردة ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    المرشد اليسير للتعامل مع التفاسير
    منى بنت سالم باخلعة
  •  
    القرآن سكينة القلوب (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب الحرمين الشريفين / خطب المسجد النبوي
علامة باركود

خطبة المسجد النبوي 17/6/1432 هـ - عواقب الظلم

الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/11/2013 ميلادي - 5/1/1435 هجري

الزيارات: 13343

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عواقب الظلم

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "عواقب الظلم"، والتي تحدَّث فيها عن الظلم وأنواعه الثلاثة، وحشد الأدلة من الكتاب والسنة على تحريمه وعظيم خطره على الفرد والمجتمع.

 

الخطبة الأولى

الحمد لله اللطيف الخبير، العليم القدير، أحمد ربي وأشكره على فضله الكثير، وأشهد أن لا إله إلا الله العليُّ الكبير، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله البشيرُ النذير، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.


أيها المسلمون:

إن الطاعات تتفاضَل عند الله بتضُّمنها تحقيق العبودية والتوحيد لله - عز وجل -، وعموم نفعها للخلق؛ مثل: أركان الإسلام، وإن الذنوب والمعاصي تعظُم عقوباتها ويتسعُ شرُّها وفسادُها بحسب ضررها لصاحبها والخلق.


وإن الظلم من الذنوب العِظام والكبائر الجِسام، يُحيطُ بصاحبه ويُدمِّره، ويُفسِد عليه أمرَه، ويُغيِّرُ عليه أحوالَه، فتزولُ به النعم، وتنزل به النِّقَم، ويُدرِكُه شُؤمه وعقوباتُه في الدنيا وفي الآخرة، كما تُدرِكُ عقوبات الظلم الذُّريةَ.


ولأجل كثرة مضار الظلم وعظيم خطره وتنوُّع مفاسده وكثير شرِّه؛ حرَّمه الله بين عباده كما حرَّمه على نفسه، فقال تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا، فلا تَظالمُوا».


فالله حرَّم الظلمَ على نفسه - وهو يقدر عليه - تكرُّمًا وتفضُّلاً وتنزيهًا لنفسه عن نقيصة الظلم؛ فإن الظلمَ لا يكون إلا من نفسٍ ضعيفة لا تقوَى على الامتناع من الظلم، ولا يكون الظلمُ إلا من حاجةٍ إليه، ولا يكون إلا من جهلٍ، والله - عز وجل - مُنزَّهٌ عن ذلك كلِّه، فهو القوي العزيز الغني عن خلقه فلا يحتاجُ إلى شيء، وهو العليمُ بكل شيء.


وحرَّم الله الظلمَ بين عباده ليحفظوا بذلك دينَهم ويحفَظوا دنياهم، وليُصلِحوا أمورهم، وليُصلِحوا دنياهم وآخرتهم، وليتمَّ بين العباد التعاوُن والتراحُم بترك الظلم، وأداء الحقوق لله ولخلق الله تعالى.


عباد الله:

الظلمُ يضرُّ الفردَ ويُهلِكه ويُوقِعه في كل ما يكره، ويرى بسبب الظلم ما يسُوؤه في كل ما يحب، الظلمُ يُخرِّبُ البيوتَ العامرة، ويجعل الديار دامِرة، الظلمُ يُبيدُ الأمم ويُهلِك الحرثَ والنسل.


ولقد حذَّرنا الله من الظلم غاية التحذير، وأخبرنا - تبارك وتعالى - بأن هلاك القرون الماضية بظلمهم لأنفسهم لنحذَر أعمالهم، فقال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾[يونس: 13، 14]، وقال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف: 59]، وقال - تبارك وتعالى: ﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 45، 46]، وقال - تبارك وتعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].


وقد أجرَ الله هذه الأمة الإسلامية من الاستئصال والهلاك العام، ولكن تُبتَلى بعقوباتٍ دون الهلاك العام بسبب ذنوبٍ تقع من بعض المسلمين وتشيع حتى لا تُنكَر، ولا ينزجِر عنها أصحابُها، كما قال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].


وعن زينب بن جحش - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزِعًا يقول: «لا إله إلا الله، ويلُ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتِح اليوم من ردمِ يأجوج ومأجوج مثل هذه» - وحلَّق بإصبعيه الإبهام والتي تليها -، فقلتُ: يا رسول الله! أنهلكُ وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثُر الخَبَث»؛ رواه البخاري ومسلم.

 

فدلَّ الحديثُ على أن بعض الأمة صالحون وأن بعضهم تقع منهم ذنوب تُصيبُ عقوباتها الكثيرَ من الأمة في بعض الأزمان وفي بعض الأمكنة، وفُسِّر الخَبَث بالزنا، وفُسِّر بعمل قوم لوط، لقوله تعالى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ﴾ [النور: 26]، وقوله تعالى عن لوطٍ - عليه السلام -: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأنبياء: 74].


وفُسِّر الحديث بالخمر ونحوه من المُسكِرات والمُخدِّرات، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الخمرُ أم الخبائث».

 

ويعمُّ الحديث كلَّ معصيةٍ تُغضِبُ الله - تبارك وتعالى -، وكل ظلمٍ وعدوان، ومعنى هذا الحديث عام في كل ما حرَّم الله، ويظلمُ به المسلم نفسَه أو يظلمُ به غيره.


أيها المسلمون:

أصلُ الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وهو في الشرع: مخالفة شرع الله ومخالفة أمر الله بتركه لأمر الله، ومخالفة نهي الله بارتكابه.


والظلم ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ظلمٌ لا يغفره الله إلا بالتوبة، وهو: الشرك بالله تعالى، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].


فمن مات على الشرك بالله خلَّده الله في النار أبدًا، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، وكان ظلمُ الشرك غير مغفور لمن مات عليه؛ لأجل مُضادَّة رب العالمين في الغاية والحكمة من خلق الكون لعبادة الله، ولأن الشرك تنقُّصٌ لعظمة الخالق - تبارك وتعالى -، وصرفُ حقِّه إلى غيره لمخلوقٍ خلقه الله - عز وجل -، قال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].


وأيُّ ظلمٍ أعظمُ من أن يجعل الإنسانُ لرب العالمين نِدًّا يعبُده من دون الله الذي خلقه؟! وأيُّ ذنبٍ أكبر من أن يتخذ الإنسانُ مخلوقًا إلهًا من الصالحين أو غيرهم يدعوه من دون الله، أو يرجوه، أو يستغيثُ به، أو يخافُه كخوف الله، أو يستعينُ به في شيءٍ لا يقدر عليه إلا الله، أو يتوكَّلُ عليه، أو يذبَحُ له القُربان، أو ينذُر له، أو يُعِدُّه لرغبته ورهبته، أو يسأله المَدَد والخير، أو يسأله دفع الشر والمكروه، أيُّ ذنبٍ أعظم من هذا الشرك بالله - تبارك وتعالى -؟!


قال - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5، 6]، وقال - عز وجل -: ﴿ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 51 - 55].


ومعنى قوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا ﴾ : أي: دائمًا.


وعن جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثِنتان مُوجِبتان»، قال رجلٌ: يا رسول الله! ما المُوجِبتان؟ قال: «من مات لا يُشرِك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يُشرِك بالله شيئًا دخل النار»؛ رواه مسلم.


وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وهو يدعو لله نِدًّا دخل النار»؛ رواه البخاري.


وكما أن الشرك بالله تعالى أعظمُ السيئات والذنوب؛ فإن التوحيد لله - تبارك وتعالى - أعظمُ الحسنات والقُربات، كما في الحديث القدسي: «يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا لأتيتُك بقُرابها مغفرة»؛ رواه الترمذي من حديث أنس - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: "حديثٌ حسن".


والنوع الثاني من الظلم: الذنوب والمعاصي التي بين العبد وربه ما دون الشرك بالله؛ فإن الله - تبارك وتعالى - إن شاء عفا عنها بمنِّه وكرمه، أو كفَّرها بالمصائب والعقوبات في الدنيا، أو كفَّرها بعذاب القبر، أو تجاوز عنها الربُّ - تبارك وتعالى - بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو شفاعة غيره من الشافعين، أو يُعذِّبُ الله - عز وجل - صاحبَها في النار بقدر ذنبه، ثم يُخرِجُه من النار فيُدخِلُه الجنةَ إن كان من المُوحِّدين.


والنوع الثالث من الظلم: مظالمُ تقع بين الخلق في حقوقٍ لبعضهم على بعض تعدَّوا فيها، وأخذها بعضُهم من بعض، ووقعوا في ظلم بعضهم لبعض، فهذه المظالمُ لا يغفرها الله - عز وجل - إلا بأداء حقوق الخلق إليهم، فيُؤدِّي الظالمُ حقَّ المظلوم في الدنيا، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لتُؤدُّنَّ الحقوق قبل أن يأتي يومٌ لا درهمَ فيه ولا دينار، إنما هي الحسناتُ والسيئات، يُعطَى المظلومُ من حسنات الظالم، فإن لم يكن للظالم حسنات أُخِذ من سيئات المظلوم ووُضِعت على المظلوم ثم طُرِح في النار».


والمظالمُ بين العباد تكون في الدماء، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزالُ المرءُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دمًا حرامًا».


وقد قرنَ الله قتلَ النفس بالشرك بالله - تبارك وتعالى - لعظيم جُرم سفك الدماء، فقال - تبارك وتعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الفرقان: 68]، وفي الحديث: «لَزوالُ الدنيا بأسرِها أعظمُ عند الله من قتل رجلٍ مُؤمنٍ»، وفي الحديث أيضًا في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أول ما يقضي الله - تبارك وتعالى - يوم القيامة في الدماء»؛ لأن الدماء أمرُها عظيم، قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].


ألا ما أعظم جُرم من قتل النفوس وسفك الدماء، فإن الله - تبارك وتعالى - هو الذي يتولَّى عقوبَتَه، وهو الذي يأخذه ويُعاقِبُه في الدنيا والآخرة، قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ [إبراهيم: 42]، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليُملِي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلِته».

 

وتكون المظالمُ بين الناس في المال، وتكون باقتطاع الأرض والعقارات، وفي حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اقتطَعَ شبرًا من الأرض طوَّقه الله إياه من سبع أرضين»؛ رواه مسلم.

 

وتكونُ المظالمُ بين الأرحام بتضييع حقوق الرحِم، وتكون المظالم بين الوالدَيْن والأولاد بتضييع حقوقهما وإهمال تربيتهما، وتعريضهما للانحراف وسوء الأخلاق، وتكون المظالمُ بين الزوجين لترك حقوقهما من أحدهما للآخر، وتكون المظالمُ بين المُستأجرين والعُمَّال بسلب حقوقهم وتضييعها أو تأخيرها، أو اقتطاع شيءٍ منها، أو التحايُل على إسقاطها؛ فكلُّ ذلك ظلمٌ يُنذِرُ بعقوباتٍ مُدمِّرة لصاحب الظلم، نسأل الله - تبارك وتعالى - العافية، أو أن يُكلِّفهم بما لا يطيقون، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أعطوا الأجيرَ حقَّه قبل أن يجِفَّ عرقُه».


وقد تكون المظالمُ بالتعدِّي على حقوقٍ معنوية للناس، أو بغيبة، أو وشايةٍ بين اثنين، أو وشايةٍ بين قبيلتين، أو بين أناسٍ وأناس.


فاحذروا - عباد الله - الظلمَ؛ فإن الله - تبارك وتعالى - لا تخفى عليه خافية، ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144].


والظلمُ مُحرَّمٌ ولو وقع على كافر؛ فإن الله - تبارك وتعالى - لا يرضى أن يقع الظلمُ على أحدٍ ولو كان كافرًا أو فاسقًا، قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم: 42 - 46].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله مُعِزِّ من أطاعه واتقاه، ومُذِلِّ من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله اجتباه ربُّه واصطفاه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.


أما بعد:

فاتقوا الله حق تقواه، وراقِبوه واخشَوه مراقبةَ من يعلمُ أن الله مُطَّلعٌ على سرِّه ونجواه.


قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].


وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اتقوا الظلمَ؛ فإن الظلمَ ظلماتٌ يوم القيامة».


أيها الناس:

لا يتعرَّض أحدكم لغضب الله وعذابه؛ فإنه ما وقع غضبُ الله على أحدٍ إلا هلَك، قال تعالى:﴿ وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ﴾ [طه: 81]، ومن أخذه الله بعذابه وظلمه فقد خسر خُسرانًا مبينًا، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 19].


عباد الله:

إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا»، فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.


اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمد وعلى آل محمد، كما بارَكت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.


اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.


اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين والكفر والكافرين يا رب العالمين، اللهم دمِّر أعداءك أعداء الدين يا رب العالمين إنك أنت القوي العزيز.


اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك، يا رب العالمين.


اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، وأصلِح ذات بينهم، واهدِهم سُبل السلام، وأخرِجهم من الظلمات إلى النور يا رب العالمين، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا متين.


اللهم تُب علينا وعلى المسلمين، اللهم فقِّهنا والمسلمين في الدين يا أرحم الراحمين.


اللهم أذِلَّ البدع يا رب العالمين، اللهم أذِلَّ البدع التي هدَمَت الدين، اللهم أذِلَّ البدع التي هدَمَت الدين، اللهم أذِلَّ البدع إلى يوم الدين يا رب العالمين، اللهم لا تُقِم للبدع قائمةً أبدًا يا رب العالمين، إنك أنت القوي العزيز.


اللهم لا تُسلِّط على المسلمين الأشرار الفُجَّار، اللهم يا رب العالمين لا تُسلِّط على المسلمين من لا يخافُك ولا يرحمهم يا رب العالمين إنك على كل شيء قدير.


اللهم فرِّج كُربات المسلمين، الله ارفع الشدائد عن المسلمين يا رب العالمين، اللهم اجمعهم على الحق إنك على كل شيء قدير، ألِّف بين قلوبهم وأصلِح ذات بينهم يا رب العالمين.


اللهم اجعل بلادنا آمنةً مطمئنةً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.


اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاة أمورنا يا رب العالمين.


اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رِضاك يا رب العالمين، اللهم أعِنْه على كل ما فيه خيرٌ وصلاحٌ وعِزٌّ للإسلام والمسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلِح بِطانتَه، اللهم أعِنْه على أمور الدنيا والدين يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيْه لما تحب وترضى، اللهم وفِّقهما لهُداك، واجعل عملهما في رِضاك يا رب العالمين، وانصر بهم الدين، إنك على كل شيء قدير يا أرحم الراحمين.


اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم أغِثنا يا رب العالمين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا يا أرحم الراحمين.


عباد الله:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91].


واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • خطبة المسجد النبوي 23/4/1433 هـ - قصص عن عواقب الظلم
  • خطبة المسجد النبوي 30/4/1433 هـ - الظلم ظلمات يوم القيامة

مختارات من الشبكة

  • خطبة المسجد النبوي 11/7/1433 هـ - فضل المدينة والمسجد النبوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 13 / 12 / 1434 هـ - دوام الاستقامة والثبات على الطاعات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 6 / 12 / 1434 هـ - العبر والدروس من الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 28 / 11 / 1434 هـ - الأخوة بين المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 21 / 11/ 1434 هـ - سرعة الاستجابة لله ورسوله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 14 / 11 / 1434 هـ - فضل صلة الرحم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 7 / 11 / 1434 هـ - خلق الرحمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 30 / 10 / 1434 هـ - الاستعداد للموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 23 / 10 / 1434 هـ - عبودية الكائنات لله تعالى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 16 / 10 /1434 هـ - الاعتصام بالكتاب والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية
  • متطوعون مسلمون يحضرون 1000 حزمة طعام للمحتاجين في ديترويت

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/8/1444هـ - الساعة: 14:40
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب