• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من أسباب الوقاية من العين والمس والسحر والشيطان: ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    حديث: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الصيام المتقطع، أو كيف نخسر الوزن الزائد؟: خاطرة ...
    عبدالإله أسوماني
  •  
    التدابير الإلهية لحفظ أموال اليتامى من الضياع
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    آكلة العقول (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    التضخم النقدي: في الفقه الإسلامي (WORD)
    أ.د حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    العبر في قول البخاري: "في إسناده نظر" (PDF)
    أ. د. طالب حماد أبوشعر
  •  
    تخريج حديث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    أركان وشروط وسنن الوضوء على ضوء الكتاب والسنة ...
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تفسير: (وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    خاتم النبيين (33)
    الشيخ خالد بن علي الجريش
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن القلوب
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    {ود كثير من أهل الكتاب}
    د. خالد النجار
  •  
    نشأة الزيدية وتأريخها (WORD)
    عدنان بن عبده بن أحمد المقطري
  •  
    أقسام الخلق في منازل "إياك نعبد وإياك نستعين"
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    أضواء على أسباب الاختلاف
    مسلم الهوراماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / عقيدة وتوحيد / مجلة براهين
علامة باركود

الداروينية .. إعادة المحاكمة

أحمد يحيى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/9/2014 ميلادي - 19/11/1435 هجري

الزيارات: 13895

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الداروينية.. إعادة المحاكمة

 

يقول داروين في كتابه أصل الأنواع:

"إذا كان من الممكن إثبات وجود أي عضو معقد لا يُرجَّح أنه قد تشكل عن طريق العديد من التعديلات المتعاقبة والطفيفة، فسوف تنهار نظريتي تماماً"[1].

 

يعتبر بعض المتحمسين لداروين مقولته السابقة دعوة "للتحدي"، في حين يرجعها المتابعون إلى "الشك" وعدم الثقة المتأصلين في نظريته التي تناقش "أصل الأنواع".

 

أيا كان المقصد، فأطروحتنا التي بين أيديكم اليوم هي استجابة لدعوة داروين أو تأكيدا لشكه والتبعات هو من وضعها.

 

ما هي الحياة وكيف يدحض تعقيدها الداروينية؟

ما هي تلك النظم الحيوية غير القابلة للاختزال، وكيف تمعن في تحدي الداروينية؟

كيف تعاطى أنصار التطور مع تلك المعضلة، وهل استطاع "كينيث ميلر" تخطيها وتفنيدها كما ادعى خلال شهادته في محاكمة التصميم الذكي الشهيرة "دوفر"؟؟

هل تكسب تلك النظم مضاربة داروين وتحقق توقعه بانهيار نظريته أم تؤكد أنها مازالت عقيدة مادية راسخة؟


هنا نحاول الإجابة على هذه الأسئلة فتابعوا:

"الداروينية.. إعادة المحاكمة"..

ما هي الحياة؟ الفرق بين (الحى والميت)، (الحياة والجماد) هكذا ظل منتهى علمنا بالحياة حبيسا داخل حدود هذا التوصيف، فالحياة هي اللغز الأعظم الذي حير الفلاسفة وأعجز البيولوجيون وأعيى أجيالا متعاقبة من الباحثين.

 

فـ"الروح" هي الكينونة المبهمة بداخل كل مخلوق حي تميزه عن الجماد وتفارق بدنه عند الموت، سألت عنها اليهود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجاب إجابة واضحة مباشرة بما أوحى به اليه ربنا ‏سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 85].

 

كان هناك دائما ومنذ بدء الثورة العلمية نزاع تدور رحاه في أوساط المعرفة البيولوجية حول توصيف "الحياة" ومصدريتها كتصميم، انقسمت فيه الآراء إلى معسكرين: أحدهما يعلن أن الكائنات الحية ليست مختلفة إطلاقا عن المادة غير الحية، وكانوا يدعون أنفسهم أحيانا بالآليين mechanists أو الفيزيقيين physicalists وعلى الجانب المضاد؛ يقف معسكر يدعى أصحابه الحياتيين vitalists وكانوا ينادون برأي مفاده أن للكائنات الحية خصائص لا يمكن وجودها في المادة الخاملة وأن المفاهيم البيولوجية لا يمكن أن تكون خاضعة لقوانين الفيزياء والكيمياء.

 

استمدت الحياتية منهجاً راسخاً بداية من القرن السابع عشر، وشكلت عقبة قوية في وجه الفلسفة الآلية المادية التي قالت أن الحيوان ما هو إلا آلة، وأن كل مظاهر الحياة هي عبارة مادة في حالة حركة.

 

و تبنت الحياتية فكرة وجود مادة خاصة وقوة حيوية غير موجودة في الجمادات هي ما تميز الحياة، وكان كثير من أتباع تلك المدرسة من الغائيين teleolgists الذين يعتقدون أن الحياة وجدت لتحقيق غاية أخروية.

 

تسبب تشبث الحياتية بوجود تلك "القوة الحيوية" المبهمة في التعجيل من سقوطها باعتبارها فكرة ميتافيزيقية أكثر منها علمية حتى انزوت تقريبا من المشهد العلمي، مع بدايات القرن العشرين مع صعود الفلسفة المادية والنهج العلماني في تناول البيولوجيا.


ففي أواخر القرن التاسع عشر أتت الداروينية حاملة في كنفها نزعة مادية عاتية، كمخرج من سطوة الفكر الديني الأنجليكاني الذي تسيد المشهد البيولوجي آنذاك، فأنكرت وجود الغاية الكونية، واستبدلتها بقانون الانتخاب الطبيعي لقيادة التنوع الأحيائي من خلال مبدأ الصراع من أجل البقاء، بالإضافة إلى نهج التبسيط والارتقاء الذي يحاول تخطى معضلة تعقيد الحياة في الوقت الذي كانت فيه دراسة الطبيعة طريقا إلى معرفة الله، وحين كان مشاهير علماء التاريخ الطبيعي يلتمسون التقوى من خلال ذلك، مثل جلبرت وايت الذي ألّف كتابا عن اكتساب المعرفة بالملاحظة عنوانه "التاريخ الطبيعي لسلبورن" والباحث الموسوعي وفيلسوف العلم ويليام هيويل الذي ألّف "رسائل بريدجووتر" التي تناقش حكمة الله وقدرته ودوره المباشر في خلق العالم الطبيعي، والعالم الشهير ويليام بالي الذي كتب "التاريخ الطبيعي اللاهوتي" وعنوانه الفرعي "الأدلة على وجود الذات الإلهية وصفاتها مأخوذة من مظاهر الطبيعة"، ومنه انتشر تشبيه صانع الساعات الإلهي حين قال: "عندما نجد ساعة قابعة فوق الأرض نستنتج بداهة أن حرفيا ذكيا قد صنعها، وعندما نجد حيوانات ونباتات صممت تصميما معقدا وتتكيف على نحو رائع، ينبغي بالمثل أن نستنتج أن خالقا قديرا حكيما قد صنعها".

 

بيد أنه من المفارقات المتعلقة بهذا الشأن أن أحد أهم أسباب سقوط الحياتية هو ما ثبت صحته لاحقا مع سيرورة التقدم العلمي، فبالرغم من فشل الحياتيون في حل لغز تلك المادة المميزة للحياة والتي أطلقوا عليها آنذاك "البروتوبلازم"، فإن المشتغلون بالبيولوجيا اليوم يعلمون أن الحياتية كانت على حق في احتجاجها بتميز الكائن الحى عن الجماد بميزات مذهلة تم الكشف عنها تباعا مع تقدم العلم، وكان أهمها البرنامج المعلوماتي الجيني (الحمض النووي DNA).


ما هو النظام الحيوي؟

في عام 1931 أعلن عالم الفسيولوجيا هالدين J.S. Haldane أن علماء الأحياء (البيولوجيين) لم يجدوا بداً من التخلي عن الحياتية، بسبب كونها فكرة ميتافيزيقية في التوصيف المادي، ولكن في الوقت ذاته كان يقول إن أي تحليل آلي بحت لا يمكنه تفسير هذا التناسق المذهل للحياة، وبذلك فإنه رغم انحسار فكرة الحياتية عن قيادة الوجهة البيولوجية، لم تتسيد فكرة الآلية الميكانزمية التسطيحية على المشهد، بقدر ما مهد لظهور مدرسة أخرى تسلمت الراية من سابقتها ونحت وجهتها المادية بإتباع النهج الفيزيوكيمائى لتفسير النظام الحيوي وسميت بالعضوانية، لكن بالرغم أن هذا النهج قد تأهل لتوصيف الكثير من العمليات الحيوية على مستوى الجزيئات، فإنه يفتقد صلاحيته تماما في تفسير علة ذلك التكامل التكويني المذهل للكائن الحى، وكيفية وسبب حدوثه، وكلما ارتفع المستوى الذي يجري فيه الاختبار على طريق تكامل تكوين الكائن الحي، ارتفع معدل الفشل وخابت الآمال المرجوة، فعند النظر في المجاهر، تبين للعلماء أن حياة الكائنات المتنوعة، من بشر وحيوانات ونباتات، هي محصلة لتعاون مئات المليارات من الخلايا المنفردة الدقيقة غير المرئية التي تخصصت في وظائفها تخصصا عاليا لدرجة أن أي منها لم تعد قادرة على الحياة منفردة، ومن ثم أصبحت مهمة العلماء هي فهم وظائف الخلايا المنفردة وطريقة تعاونها، لأن المجال المرئي من العالم لم يقدم تفسيرا للحياة. وبدا لهم آنذاك أن من يستطيع أن يعرف لماذا تمكنت هذه الملايين من الخلايا، والتي توالدت جمعيها لدى كل حي من خلية (بويضة) ملقحة، من أن تتطور تطورا غائيا إلى العديد من الانواع المختلفة من الخلايا عالية التخصص الوظيفي، فإنه بذلك قد ملك سر الحياة، بيد أن هذا السر يأبى إلا أن يزداد غموضا فوق غموضه، فلا زالت مسألة التنوع الخلوي بدون حل حتى يومنا هذا، وما زاد الأمور تعقيدا هو اكتشاف العلماء طبقة أعلى من التعقيد تحت المستوى الخلوي بداخل عمق الخلية ذاتها، وكان هذا المسار خطوة أولى في ما يسمى مجال "البيولوجيا الجزيئية"، والتي أعطتنا الكثير من التساؤلات والألغاز المركبة بدلا من أن تمنحنا الإجابات.

 

و ظل التساؤل: كيف تنجز هذه الخلية مهامها؟ وما هي العوامل التي تنظم وظائفها المتعددة في كل واحد منسجم؟

وصف العلماء الكائنات الحية كنظم غاية في التعقيد، على مستويات وطبقات متعددة حيث تعتمد الخصائص المميزة لها على "تنظيم الكيان" أكثر من اعتمادها على "تركيب الكائن"، فارتباط الكل بأجزائه في عالم الحياة، لا يقتصر علي التكامل الكمي بينهما، بل يشمل أيضا ما ينتج عن ذلك من سيطرة الكل على أجزائه، وفهم الكائنات المتعضية الحية ينبغي أن يتم من منظور كلي كما يخبر s.j.smuts: "إن الترابط بين أجزاء أي كائن حي متعض ينطوي على نوع من التفاعل النشط بينها، فهذه الجزيئات في حد ذاتها يمكن اعتبارها كليات صغرى كما هو الحال في الخلايا التي يتآلف منها جسم أي كائن حي"

 

و يشرح ألكس نوفيكوف alex novikoff "إن الكل والجزء كلاهما كيان مادي، والتكامل ينتج مما يتم بين الأجزاء من تفاعل مرتب على خصائصها" فالكلية لا تنظر إلي الوحدات الفيزيوكيميائية التي يتكون منها الكائن الحي باعتبارها أجزاء في آلة، يمكن فكها ووصفها من دون اعتبار للجهاز الذي انتُزِعت منه"، وهو ما لخصه بيولوجيون آخرون في عبارة موجزة هي: "الكل شيء مختلف عن مجموع أجزائه". ومن ذلك فإن وصف الأجزاء المعزولة لا يمكن أن ينقل صورة عن خصائص الجهاز الحيوي ككل، ولا يمكنه أن يفسر وجوده، فالذي يتحكم في الجهاز كله هو ما يربط بين هذه الأجزاء من نظام يطلق عليه اسم التعضي Organiztion. وتكامل الأجزاء قائم على كل مستوى من مستويات التكوين: ففي الكائن المتعضي الواحد يتم التكامل في الخلايا، ثم بين تلك الخلايا، فالأنسجة، فالأعضاء، فالأجهزة العضوية التي بتكاملها يكتمل كيان الفرد. كيف يعمل هذا النظام؟ وما هو سر وجوده؟ وهل نجحت الداروينية -حاملةُ راية التفسير المادي- في شرحه، أم أن هناك نظريات أخرى بديلة؟ هذا ما نحاول استكشافه من خلال تتبع تسلسل المجريات التالية[2] [3].

 

التعقيد الحيوي في مواجهة الداروينية:

عندما رأى داروين التشابه في العضلات وبنية الجسم عبر العديد من الأنواع، لم يكن لديه المعرفة الكافية بهذه التعقيدات الهائلة الكامنة داخل تلك الأجهزة في ذلك الوقت المبكر من تاريخ العلم، لكنه -و بالرغم من ذلك- أدرك حجم الإشكالية التي تواجه فرضيته، ممثلة في بنية الأعضاء الحيوية المعقدة بداخل كيانات الأحياء، والتي أطلق عليها أجهزة "مفرطة الإتقان والتعقيد" "extreme perfection and complication".


أمام روعة هذه التصاميم الحيوية يقف داروين عاجزا، ويكتب عن تركيب العين في كتابه أصل الأنواع:

إن الافتراض بأن العين بكل ما أتيت من قدرات فذة لتعديل التركيز وفق مسافات متباينة، والسماح بكميات مختلفة من الضوء، وتصحيح الانحراف الكروي واللوني، قد صاغها الانتقاء الطبيعي، هو على ما يبدو افتراض سخيف غاية السخف، وأنا اعترف بذلك[4].

 

منذ الوهلة الأولى أعلنت الأعضاء الحيوية مفرطة الإتقان extreme perfection عن تحدي على نحو لا لبس فيه، لفرضية التطور المتدرج والتبسيط التي تبنتها الداروينية كتفسير مادى طبيعي لحدوث الحياة بمعزل عن التصميم، والتي تفترض أن هذه العضيات الحيوية تمر أثناء رحلة تطورها المزعومة عبر سلسلة من المراحل الوسيطة الطفيفة والمتتالية، يقوم خلالها الانتقاء الطبيعي بصياغة تكيفها تدريجيا، بالحفاظ على تغيرات المرحلة المفيدة والوظيفية وتدمير ما هو غير صالح أو أقل تكيفا، وهنا تكمن المعضلة المحورية، فهذه الأعضاء لا تستطيع أن تقوم بوظيفتها إلا بوجودها مكتملة، والكيانات الوسيطة المتتالية التي من المفترض أن يمر بها العضو أثناء رحلة تطوره ليس لها أي معنى وظيفي إلا بوصفها أجزاء من المنتج النهائي، ومن ذلك فإن كافة المراحل الوسيطة ليس لها أي ميزة انتقائية، وينعدم الدور المخول للانتقاء الطبيعي في الحفاظ عليها وتثبيتها، لأنها لا تحمل له أيّة قيمة تكيفية أثناء تطور العضو، بل هي مجرد أعضاء مشوهة ناقصة تمثل عبئ يجب التخلص منه.

 

فالانتخاب الطبيعي عملية لا غرض لها، عمياء عن رؤية المستقبل، ليس لها أهداف، ومعيارا التقييم الوحيدان لها هما: النجاح في البقاء، والنجاح في التكاثر، وهذا ما يجب أن يتوافر في كل خطوة من خطوات التغيير في نشوء العضو الحيوي، ولكن الطبيعة غير الاختزالية للعضيات الحيوية التي لا تقبل التدرج الوظيفي أو الإنقاص تُفْشِل هذه العملية تماما، فهي إما تكون ككل أو أبدا لن تكون.


بالرغم من اعترافه بحجم تلك الإشكالية، فقد تعاطا معها داروين بمنهجية ملتوية، ونقل عبئ الإثبات لجهة المشككين مطالبا إياهم بإثبات خطأ إدعائه الذي يطالب هو بإثباته كأصل لقبول فرضيته، وذلك لإدراكه الراسخ بأنها جولة خاسرة فقال في كتابه أصل الأنواع:

إذا كان من الممكن إثبات وجود أي عضو معقد لا يُرجَّح أنه قد تشكل عن طريق العديد من التعديلات المتعاقبة والطفيفة، فسوف تنهار نظريتي تماما[*].


علينا أن ندرك أن داروين كان حذقا في التعامل مع العقبات التي تعترض فرضيته، واستعمل المواربات الذكية على أمل أن تحل تلك العقبات آجلا، وفي المقابل سلم بالانهيار التام لفرضيته إذا لم تتمكن من تخطيها.


مرت عقود عديدة على طرح داروين وهو ما يمثل زمنا طويلا جدا بمقياس مسار العلم الحديث، ويبقى التساؤل البديهي الذي يفرض نفسه حتى الآن، هل نجح تلامذته في تخطي تلك العقبات؟

•     •     •


 

العقبة الكبرى:

رغم التقدم العلمي الهائل في رصد تعقيدات حيوية مذهلة، والتي من المفترض أن تزيد من صعوبات تفسيرها بالارتقاء والتطور عنها في عصر داروين، إلا أننا -وعلى نقيض ذلك- نلاحظ أن داروين كان أكثر معقولية واتساقا من أتباعه في مواجهة مشكلات التعقيد، رغم إحاطته المعرفية المحدودة بفداحته، وترفع عن سلوكهم المتعمد بذلك التدليس الانتقائي بتسطيح التناول حول تطور هذه الأعضاء، ويمكننا القول إنه من السذاجة أن نقبل وفق معرفتنا الحالية بكم هذا التعقيد بأنه من الممكن من خلال محاذاة بسيطة لسلسلة من الكائنات العائشة الأقل تعقيدا إلى الأكثر تعقيدا، أن نستنتج أن نوعا من التطور التدريجي على مدى ملايين السنين سيكون مسؤولا عن تفسير التعقيد الحادث به، وهذا السبيل بعينه هو ما يجادل به أنصار التطور منذ عهد داروين وحتى يومنا هذا، لتفسير وجود تلك النظم الحيوية المعقدة دون تقديم أيّة آلية فعلية لسيرورة هذا التحول المفترض، فعلى سبيل المثال: تعرض لنا الداروينية محاكاة لتطور العين، تشرح كيفية تحول بقعة حساسة للضوء كنظام رؤية بدائي تدريجيا إلى تجويف منخسف شديد التقعر، ثم نصف الكرة مملوءة بمادة شفافة، وبعد ذلك تحولت إلى ما هي عليه الآن في العيون الأكثر تعقيدا، معتمدا في ذلك على صنع اصطفاف لنماذج من العيون المختلفة في الكائنات العائشة اليوم، من البسيط إلى الأكثر تعقيدا.


تكمن الإشكالية هنا في خطأ منهجي متمثل في صحة الاستدلال على التطور، بالاستناد على خصائص بعض العيون الموجودة في الوقت الحاضر، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تمثيل العيون التاريخية التي من المفترض أن تمثل الأسلاف من خلال سرد سلسلة من العيون الموجودة حاليا، والتي تمتلكها أنواع حية عصرية، لأن التطور يتطلب أن كل العيون الحالية لديها نفس القدر من التاريخ التطوري، وهن أبناء عمومة لا يمكن اعتبارهن أسلافا لبعضهن البعض. إن هذا النهج يتطلب اعتراف الداروينية بأن هذه العيون الحديثة 'البسيطة' في أول السلسة التطورية هي نظائر للعيون المفترضة للأجداد ومماثلة لها، وهذا يضعهم في حرج حقيقي لأنه بالتبعية يؤكد أن تلك العيون لم تتطور أو يطرأ عليها أي تغيير منذ أزمان سحيقة، وهو ما يناقض الفرضية التطورية برمتها حول سيرورة التطور الدؤوبة. داروين نفسه كان يدرك جيدا عدم صلاحية هذا الاصطفاف للاستدلال، وعلى الرغم من ذلك وقع هو نفسه في ذلك الخطأ، وتفشى في نهج أتباعه.


the crucial importance of this requirement to the theory of evolution was fully understood by Darwin, who stated that, in searching for the gradations through which an organ in any species has been perfected, we ought to look at its lineal progenitors. Indeed we ought; though he himself could not do so. It is deceptive to the reader to create a seriation beginning with eye spots as seen in unicellular organisms and call them, as does Duke-Elder (1958), the earliest stage of evolution [5]

 

 

 

حين نحاول التعاطي مع حجة التطور السابقة حول اصطفاف (تطور العين كمثال)، فإننا وبمجرد الخوض في أولى خطوات اختبارها، نصطدم مباشرة بالكثير من التناقضات، ونرصد خرقا جسيما لما تضعه الداروينية لنفسها من آليات وإلزامات وقواعد داخل إطار الاستدلال العام على التطور (وهذا ليس مستغربا)، ولكن على الرغم من ذلك لا تيأس من البحث عن مبررات لتخطيها، وتقع أغلبها تحت إطار الحجج الدائرية، أو المسكنات الموضعية للإشكالية، أو ما يمكن تسميته بمبررات الاستهلاك المحلي، فحين ننظر في محاذاة عيون الأنواع العائشة من البسيط إلى الأكثر تعقيدا لتبرير تطور العين نجد أنها تناقض شجرة التطور (الفيلوجينية) التي تم رسمها.

 

على سبيل المثال: تخبر الداروينية أن أسلاف الرخويات قد انشقت عن الفقاريات خلال عصور سحيقة من تاريخ الحياة، في عصر ما قبل الكمبري Precambrian ، مما يجعل البشر أكثر ارتباطا بنجم البحر، وديدان الأرض عن ارتباطهم بالأخطبوط (من الرأسقدميات) وبناء على ذلك فمن المفترض أن نرى العيون البسيطة البدائية في السلسلة متواجدة بالأخطبوط، لكن من الحقائق المثيرة للدهشة أن الأخطبوطات بالرغم من انحدارها في أسفل سلسلة التطور، إلا أنها تمتلك ذلك النوع من نظام الرؤية شديد التعقيد، والمعروف بعيون الكاميرا الذي يميزنا نحن البشر، والعجيب هنا أن التشابه بين عيون الإنسان والأخطبوط، رغم المسافة التطورية الشاسعة بين كلا النوعين يبدو متطابق في التراكيب على نحو مذهل.

التطابق البنيوي بين عين الأخطبوط وعين الإنسان لغز يتحدى العشوائية

 

هذه القفزة الهائلة في تشكل العين عبر سلسلة المحاذاة، لا يمكن تفسيرها بالانحدار من أي سلف مشترك، وتقف مباشرة في وجه السيناريو التطوري الذي يستدل بتدرج نماذج العيون الحالية كتمثيل لأسلافها، وكالعادة لا يمكن لأنصار التطور تحمل تبعات فرضياتهم فنجدهم يتملصون منها بالمجادلة حول كون كل من الأخطبوط والإنسان أبناء عمومة من سلف قديم جدا، عاش في عصور ما قبل الكمبري، ولا يمثل أحدهما سلفا للآخر، وتلك البنية المعقدة والمتطابقة في نظام الرؤية بين كلا النوعين قد تطورت بمعزل عن بعضها البعض بطريق تطوري تقاربي[6] convergent evolution .

 

و هذا الرد هو ما يعنينا الآن من طرح المثال السابق، وعليه نتساءل: إن كانت الكائنات العائشة لا يمكنها أن تمثل الأسلاف ولا تعبر عنها، فلماذا يحتج أنصار التطور بمصفوفات كائنات حية حالية لتبرير تسلسل تطور العين!

 

المثال السابق ليس استثناء فالتناقضات رصدت على نطاق كبير حيث لاحظ العلماء أن العيون في ثلاثة فئات رئيسية من الأنواع (الفقاريات والمفصليات والرخويات)، تنشأ من أنسجة مختلفة ومنه افترض أنصار التطور أن لدي هذه الفئات الثلاثة تاريخا تطوريا منفصلا، ​​و العديد من أوجه التشابه بينها نتجت أيضا بسبب التطور التقاربي[7].

 

مثل هذه التناقضات الشديدة في المسار التاريخي المقترح لتطور العين تداعت بأنصار التطور إلى الافتراض بأنها قد تطورت ونشأت أكثر أربعين مرة بشكل مستقل، وهو ما يفسد سيناريو الاصطفاف، ويؤكد عدم جدواه في الاستدلال[8] [9].

 

بالإضافة إلى تناقض هذا النموذج مع السجلات الجيولوجية التي لا تدعم هذا التدرج المزعوم، وتستعرض ظهورا فجائيا للعيون المعقدة، وبكامل تراكيبها المعروفة اليوم منذ أكثر من 540 مليون سنة فيما عرف بعصر الكمبري Cambrian ، ويشير إلى ثباتها منذ وجودها للوهلة الأولى، ولا زال أصلها التطوري يمثل لغزاً حقيقياً[10] [11] [12].

 

بتخطي هذا النهج المعيب نتحول إلى محور تناولنا، والذي يتعلق بتلك الإشكالية الكبرى التي تتعامى عنها الدراوينية، وهي آلية هذا التحول المطلوب لإنتاج ذلك الجهاز المعقد (العين).


فحدوث كل طفرة متتابعة في الحمض النووي داخل مقلة العين يتطلب تحولات جذرية ومتزامنة وشديدة التعقيد والترابط داخل بنية العظام، والأعصاب، ووظيفة الدماغ، ويجب سلوك مئات من المسارات التطورية في ذات الوقت عن طريق طفرات فاعلة في جميع الجوانب المتعلقة بالرؤية، ومثل هذه التغييرات تتطلب أكثر بكثير مما يمكن توقعه من الطفرات العشوائية والانتقاء الطبيعي[13]. ولتقريب مدى صعوبة تلك العملية باتخاذ مقياس واحد فقط، هو عدد الجينات المسئولة عن إنتاج العين، نجد أنه قد تم التعرف حتى الآن على 501 من الجينات المرتبطة بالعين في تلك الحشرة البدائية (ذبابة الفاكهة)، أي ما يعادل 3.5٪ من حجم جينومها بأكمله.

و في الكائنات الأكثر تعقيدا مثل الفقاريات نجد أن أكثر من 7500 جين يتداخل في تركيب وتنظيم شبكية العين، أي حوالي 30٪ من الجينات البشرية قاطبة، ومن ذلك فحدوث طفرات متزامنة على هذا العدد الهائل من المسارات والجينات هو فرضية مريعة تتخطى حدود المنطق وتتزايد مع مستويات التكامل الارقى بين أجزاء تشكل العين، وحتى على المستويات التكوينية الأقل تدرك الداروينية تلك المشاكل الخطيرة في وضع تفسير لتطور كل جزء من نظام الرؤية، بما في ذلك العدسة، ومقلة العين، وشبكية العين، والنظام البصري بأكمله، وفصوص القذالي في الدماغ[14].

مثل هذا التكامل والتنظيم أدى بالخبير تيرنر أن يسمى عملية الرؤية بالمعجزة، ويقول إن معجزة [الرؤية] الحقيقية تكمن في تلك العملية الحسابية التي يمكن أن تنتجها[15].

فكل هذه الأنظمة المختلفة يجب أن تعمل معا كوحدة متكاملة لتحقيق الرؤية، ويتعجب جراس في بحث خاص يدرس أعضاء أقل تعقيدا في تشريح أسد النمل، ويتساءل حول إمكانية إنتاج مثل هذه النظم المعقدة بواسطة الانتقاء الطبيعي لطفرات عشوائية، وفرص حدوث مثل هذه الطفرات المتزامنة التي يمكنها أن تفعل ذلك، وجدوى هذه الطفرات في إنتاج الهياكل التي تلائم بعضها البعض بدقة[16].

من المؤكد أن مثل تساؤل جراس سيلاقى طريقاً مسدوداً، فحتى أبسط نظم الرؤية وأكثرها بدائية (البقع الحساسة للضوء)، والتي استخدمت كحلقات أولية في سلسلة التطور، تتطلب وجود مجموعة كبيرة ومعقدة من النظم الإنزيمية في المكان والوقت المناسب لكي تعمل، وهي بحد ذاتها تعقيد لا يصدق ونظام لا يمكن اختزاله، وعندما اتخذ دوكينز وغيره من أنصار التطور البقعة الحساسة للضوء كبداية للصعود نحو سفح الجبل، فقد وقع في مغالطة منطقية بسبب تعقيدها الهائل، وبذلك فرحلته نحو القمة محكوم عليها بالفشل لأنه ابتدأ من القمة وهوى مباشرة نحو الهاوية.

•     •     •



على صعيد الجسم البشرى يشير الدكتور جوزيف كوهين Joseph A. Kuhn في ورقة نشرت مؤخرا من (جامعة بايلور المركز الطبي) بعنوان تشريح الداروينية، إلى أن الكثير من الأطباء من خلال دراستهم للتعقيد الهائل للجسم البشري يمكنهم تقبل حدوث انتقاء لبعض الطفرات التي تعمل على مقاومة الملاريا، وخصائص الجلد، والعديد من التغييرات الطفيفة الأخرى لا يمكنها تحويل النوع، ولكن مثل هذه الطفرات لا تقدم أي تفسير حقيقي حول منشأ وتشكيل الأجهزة والنظم المعقدة، فجميع عناصر النظم الحيوية تقريبا يجب أن تكون موجودة في وقت واحد بدلا من أن تتطور تدريجيا فيما أسماه نظام كل شيء أو لا شيء "all-or-nothing".

 

و في نفس السياق يقدم جيفري سيمونز أمثلة عديدة من داخل الجسم البشري للأنظمة المعقدة المتخصصة التي لا يمكن اختزالها أو يمكن تشكيلها من قبل الطفرات المتتابعة، حيث يتوجب على جميع المكونات أن تكون موجودة لتعمل تلك الأنظمة بشكل صحيح، وتشمل هذه النظم المعقدة الرؤية، والتوازن، الجهاز التنفسي، الجهاز الدوري، الجهاز المناعي، الجهاز الهضمي، الجلد، ونظام الغدد الصماء، الذوق، وغيرها من الأمثلة على المستويات البيوكيمائية والتشريحية ووظائف الأعضاء.

 

يشير كوهين إلى أن الداروينية لا يوجد لديها تفسيرات فعلية لأصل النظام المعقد الذي لا يمكن اختزاله، ناهيك عن شبكة مترابطة من الأنظمة غير القابلة للاختزال، التي تشكل جسم الإنسان ككل. وبالتالي فجسم الإنسان يمثل نظام معقد لا يمكن اختزاله على النطاق الخلوي والاجهزة والنظم[17].


•     •     •

 

" كل شيء.. أو لا شيء"
التعقيد غير القابل للاختزال

Irreducible Complexity

يستعرض مايكل بيهي Michael Behe أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة ليهاي بنسلفانيا، وأحد منظري التصميم الذكي، من خلال كتابه الشهير صندوق داروين الأسود "Darwin's Black Box: The Biochemical Challenge to Evolution" طبقة أخرى من النظم غير القابلة للاختزال على المستوى البيوكيمائي الجزيئي في الحياة المجهرية الدقيقة.


و يعرّف بيهي النظام غير القابل للاختزال Irreducible complexity بأنه: نظام مركب من العديد من الأجزاء التي تتفاعل بتناسق شديد لإنتاج الوظيفة المخولة بالنظام، ويتبع ذلك أن إزالة جزء واحد من أجزائه يعطل هذا النظام ويوقفه عن العمل، مما يعني أنه قد تم تصميمه من البداية مع جميع أجزائه، وبذلك لا يمكن أن يتكون نتاجا لطفرات طفيفة متدرجة يتم انتخابها، فالتطور لا يمكنه بناء عمليات بيوكيميائية معقدة خطوة بخطوة، لأن تلك الخطوات لا يمكنها توفير أي ميزة لحاملها, وهذا يعني أن الانتقاء الطبيعي لن ينتقي هذا النمو التطوري، ولن يسمح لنظام غير كامل وغير فعال بالانتشار من جيل لآخر، فهو لا يثبت سوى التغيرات الوظيفية، وهو ما تفتقده تلك النظم التي لا تعرف وظيفتها إلا بوجودها مكتملة.

 

يستخدم بيهي مصيدة الفئران كمثال تقريبي لشرح فكرته حول التعقيد غير القابل للاختزال، فهي لا يمكن أن تعمل إذا فقدت أيا من أجزائها المكونة من القاعدة، الزنبرك، الماسك، المطرقة، ولا يكفي وجود كل الأجزاء في الوقت والمكان المناسبين، بل يجب أن تكون متناسقة مع بعضها بدقة حتى يمكنها القيام بوظيفتها مما يجعل من فرضية الفرص العشوائية محض جنون.

 

ينتقل بيهي لشرح العديد من تلك النظم البيوكيميائية، منها آلية استشعار الضوء في نظام الرؤية، ونظام تخثر الدم البشري، والسوط البكتيري الذي تستخدمه الكثير من البكتيريا للحركة.

 

فالعين تحمل طبقة أخرى من التعقيد على المستوى البيوكيميائى الدقيق، فعندما يضرب الضوء الخلايا الحساسة في العين، تحدث سلسلة من التفاعلات الجزيئية المتعاقبة المذهلة تماما، والتي يمكن تشبيهها بانهيار قطع الدومينو المتراصة حين نسقط أول قطعة، لتؤدي في النهاية إلى نقل النبض العصبي إلى الدماغ.


و إذا ما فقد أي جزيء في هذه السلسلة من قطع الدومينو أو كان معيبا لا يمكن بث النبض العصبي مما يعنى ببساطة انعدام الرؤية والعمى التام، ومن ذلك فهذا النظام لا يمكنه العمل على الإطلاق ما لم تكن كل أجزائه حاضرة في ذات الوقت.

 

و في مثاله الثاني: شلال تخثر الدم في الإنسان، والمسئول عنه أكثر من عشرة جزيئات بروتين شديدة التناسق، يجب أن تتفاعل مع بعضها البعض بشكل متسلسل لإنتاج الجلطة في الوقت والمكان المناسبين لإيقاف نزيف محتمل، وفقد أحد هذه الجزيئات يعنى فشل نظام التخثر تماما (كما في حالة مرض الهيموفيليا).


و
المثال الثالث: هو سوط البكتيريا flagellum الذي يبدو مثل خيوط خارجية طويلة تساعد على دفع البكتيريا، وتمكنها من السباحة والحركة خلال السائل المحيط بها، يتحرك السوط بآلية ميكانيكية تماما فعند قاعدة كل سوط محرك دوار يحركها آلاف المرات في الدقيقة الواحدة.

 

يتكون السوط البكتيري من الخيط Filament الذي يرتبط مع الجسم القاعدي Basal body بواسطة قطعة وسطية تسمى الخطاف Hook. يحاكي السوط البكتيري أنظمة الحركة الميكانيكية بوسائل النقل المائية بآلية الدفع اللولبي، بواسطة محركات دوارة التي لا يمكنها العمل مع فقد أحد أجزائها، ومثل هذا النظام لا يقبل التدرج في التكوين، فالتطور بطريق الانتقاء الطبيعي والطفرة يجب فيه المضي الحثيث نحو تحسين وظيفية واحدة في كل خطوة، فكيف يمكنه بناء جهاز لا يمكن اختزال خطواته مثل المحرك الدوار الذي لا يمكن أن يعمل على الإطلاق إلا إذا كانت جميع أجزائه في مكانها الصحيح؟ [18].