إذا استأجر امرأته لرضاع ولده

إذا استأجر امرأته لرضاع ولده

الأصل في رضاع الأم لابنها ألا تأخذ أجرة على رضاع ولدها، لكن لو طلبت ذلك فهل يحق لها أخذ الأجرة أو لا؟ قولان للعلماء.

اختيار ابن تيمية:

اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنه ليس للأم أخذ أجرة على رضاع ولدها، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [1].

تحرير محل النزاع:

اتفق العلماء على جواز استئجار الأقارب سوى الأم لرضاع الولد، ومحل الخلاف هو في استئجار الزوجة أم المرتضع [2].

أقوال العلماء في المسألة:

القول الأول:

يجوز أخذ الأم أجرة على رضاع الولد.

وهذا مذهب الشافعية في المشهور [3]،ومذهب الحنابلة [4]، وقول عند المالكية في الشريفة إذا أرضعت، واستدل المالكية على هذا القيد باعتبار العرف والعادة هنا [5].

القول الثاني:

لا يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك.

وهذا مذهب الحنفية [6]، ومشهور مذهب المالكية [7]، وقول عند الشافعية [8]، وقول بعض الحنابلة [9] وهو اختيار ابن تيمية.

أدلة القول الأول:

1- قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [10].

حيث دلت الآية على مشروعية إعطاء الأم المرضعة للرزق والكسوة مقابل الرضاعة.، أي بمعنى أنها أحق برضاعه من غيره [11].

ونوقش:

أنه حجة عليهم كما قال ابن تيمية، فإن الآية دلت على وجوب النفقة فقط دون الأجرة [12].

2- أن كل عقد يصح أن تعقده مع غير الزوج، يصح أن تعقده معه كالبيع، وإجارة الدار ونحوهما [13].

ونوقش:

أن هذا صحيح في الأصل كقاعدة، لكن يستثنى من هذه القاعدة إرضاع الأم لطفلها فهو واجب عليها كالنفقة الواجبة.

3- أن منافعها في الرضاعة والحضانة غير مستحقة للزوج، بدليل أنه لا يملك إجبارها على حضانة ولدها، ويجوز لها أن تأخذ عليها العوض من غيره فجاز لها أخذه منه، كثمن مالها [14].

ونوقش:

أن منافعها مستحقة مقابل النفقة الواجبة، ثم إرضاعها لطفلها واجب عليها من جانب آخر.

4- القياس على ما لو استأجرها بعد البينونة [15].

ونوقش:

أنه قياس مع الفارق، فالزوج يستحق منفعة زوجته بخلاف البائن، ثم الزوجة لها نفقة تغني عن الأجرة بخلاف غيرها.

5- أن إرضاع الطفل غير واجب عليها، فكان لها أخذ الأجرة عليه [16].

ونوقش:

لا نسلم عدم وجوبه، بل هو واجب.

أدلة القول الثاني:

1- قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا ﴾ [17].

وهذا خبر بمعنى الأمر، ومقتضاه وجوب إرضاع الأم لولدها، ولا تستحق على ذلك سوى النفقة الواجبة على الزوج.

قال ابن تيمية: قلت: الآية حجة عليهم؛ فإنها أوجبت للمرضعات رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا زيادة على ذلك.وهو يقول: تؤجر نفسها بأجرة غير النفقة. والآية لا تدل على هذا؛ بل إذا كانت الآية عامة دلت على أنها ترضع ولدها مع إنفاق الزوج عليها، كما لو كانت حاملاً فإنه ينفق عليها وتدخل نفقة الولد في نفقة الزوجية؛ لأن الولد يتغذى بغذاء أمه. وكذلك في حال الرضاع، فإن نفقة الحمل هي نفقة المرتضع ا.هـ. [18].

2- أنه قد استحق حبسها ومنفعتها والاستمتاع بها بعوض وهو المهر والنفقة والكسوة، فلم يلزمه عوض آخر [19].

3- أن ذلك إجماع عملي من المسلمين، وعليه جرى عرفهم في كل الأمصار مع توالي الأعصار، وتراهم يستقبحون كل القبح فعل أم ترفض أن ترضع ولدها إلا بأجرة [20].

الترجيح:

والراجح - والله أعلم - هو القول الثاني:

1- لقوة أدلته ووجاهتها.

2- ضعف أدلة المخالفين وعدم توجه الاستدلال ببعضها، ومناقشتها بما يفيد عدم توجه احتجاجهم بها.

3- موافقة هذا القول للفطر السليمة، والإسلام دين الفطرة، إذ يقبح في الفطر السليمة استئجار الأم لإرضاع ولدها.

وسبب الخلاف في المسألة: الخلاف في حكم إرضاع الأم لولدها هل يجب أو لا؟.قولان للعلماء. فمن أوجبه فطرد أصله المنع من الإجارة، ومن لم يوجبه أجاز أخذ الأجرة على الرضاع، والله أعلم [21].