وليمة النكاح (خطبة)

وليمة النكاح

(خطبة)

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:

فحديثي في هذه الخطبة عن وليمة النكاح وما يتعلق بها.. فأقول مستعيناً بالله وأسأله السداد:

تسن الوليمة في العرس ووقتها موسع قبل الدخول بالمرأة وبعده وبكلا الوقتين وردت السنة وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الاقتصاد في وليمة النكاح فقد أمر صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بالوليمة بشاة وفعله فعن أنس رضي الله عنه قال ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب رضي الله عنها أولم بشاة" رواه البخاري ومسلم وكذلك أولم صلى الله عليه وسلم بالطعام فقط من غير لحم فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها وأولم عليها بحيس " رواه البخاري ومسلم. والحيس طعام يصنع من التمر والسمن والأقط.

وقد غالى البعض منا في وليمة العرس وجعلها هماً يشق على بعض الأزواج ويجلسون عدة أشهر في سداد تكاليفها وربما ضيق الواحد منهم على نفسه وعلى زوجه ليتمكن من السداد إضافة إلى المشقة التي تلحق المدعوين وتضييع أوقاتهم التي هي أغلى على العاقل من المال وليس المقصد من الوليمة المباهاة والمفاخرة في انتقاء أغلى قصور الأفراح وإنما من مقاصدها إعلان النكاح وإشهاره. فلابد من إعادة النظر في تكاليفها والعمل على تخفيفها والناس ليسوا بحاجة إلى كثير كلام وتنظير فلا زلنا نسمع منذ زمن المطالبة بتيسير أمر الزواج ومن ذلك وليمة النكاح والناس بحاجة إلى القدوة في هذا الباب فأهل اليسار وطلاب العلم ومن هم محل تقدير في المجتمع لو اقتصدوا فيها وجعلوها في بيوتهم وجعلوا الدعوة لخاصة الزوجين الأقربين لسنوا بذلك سنة حسنة لهم أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ففي هذا المقام أدعو إخواني الأولياء لتيسير ما يتعلق بالنكاح لا سيما الوليمة. واعلم أخي الولي أن هذه الأموال التي تصرف قد تكون على حساب حاجيات ابنتك في المستقبل وسعادتها وربما تسببت في طلاقها حيث تلح ابنتك في قضاء حوائجها ويتعذر الزوج بالأقساط الشهرية التي يدفعها فتكثر المشاكل ثم يؤل الأمر إلى الطلاق.

إخواني:

إجابة الدعوة في وليمة العرس واجبة فإذا دعي الشخص إلى وليمة العرس وجب عليه إجابة الدعوة فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها " رواه البخاري والوليمة في كلام العرب إذا أطلقت فهي وليمة النكاح ولا تطلق على غير طعام العرس إلا بقرينة. ونقل ابن عبد البر والقاضي عياض والنووي رحمهم الله إجماع أهل العلم على وجوب إجابة الدعوة في وليمة العرس والصواب أنه لا إجماع في المسألة بل هو قول الجمهور وتركها من غير عذر معصية فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله " رواه البخاري ومسلم.

فإذا خص الشخصَ صاحبُ الدعوة إما بمشافهة أو اتصال أو إرسال بطاقة وجبت الإجابة بخلاف لو كانت الدعوة من غير صاحبها كما يفعله البعض حيث يأخذ أقرباء صاحب الدعوة بطاقات ويدعون من شاءوا فلا تجب إجابة الدعوة والحال هذه. وكذلك لا تجب الإجابة مع وجود العذر كمرض وبعد مكان وغير ذلك من الأعذار التي يعذر بها المسلم في ترك الجمعة والجماعة. وإذا اعتذر المدعو من الداعي وقبل عذره جاز فالحق له فله أن يسقط حقه.

وإن كان هناك منكر فإن كنت تستطيع تغيير المنكر تعين الحضور والإنكار فعن خالد بن سعد أن رجلاً صنع طعاماً فدعا أبا مسعود البدري رضي الله عنه فقال له أبو مسعود أفي البيت صورة قال نعم فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل " رواه البيهقي بإسناد صحيح وإن كنت لا تستطيع إنكار المنكر فتحرم الإجابة. وليس الأكل من الطعام واجبا بل مستحب فبالحضور تتم الإجابة فعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك " رواه مسلم وإذا دعا الشخص أكثر من واحد تعينت الإجابة للأول.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين الذي خلق النفس البشرية وراعى حوائجها وفطرتها فأباح لها اللهو المباح في بعض المناسبات ومن ذلك اللهو في الزواج فالعرب قبل الإسلام كان لهم أشعار يتغنون بها وكان لهم دفوف من وجه واحد كالغرابيل ليس فيها جلاجل تضرب النساء بها في الأعياد والعرس ويتغنين بأشعار الجاهلية من ذكر الحرب وندب من قتل فيها فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي فجلس على فراشي وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين " رواه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو " رواه البخاري.

وضرب الدف مباح للنساء دون الرجال قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري (8/434) جمهور العلماء على أن الضرب بالدف للغناء لا يباح فعله للرجال فإنَّه من التشبه بالنساء وهو ممنوع منه ... و إنما كان يضرب بالدفوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم النساء. أ هـ.

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: الأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك [الضرب بالدف] للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن.

لكن يجوز أن يسمعه الرجال تبعاً للنساء لسماعه صلى الله عليه وسلم في حديث الربيع وعن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد" رواه البخاري ومسلم.

فسماع صوت الدف للرجال في الأعراس ليس منكراً يوجب الخروج من المكان، ولكن ينبغي أن يعلم أن إباحة ضرب الدف جائزة لكن أخذ الإجارة عليه لا تجوز فليس كل ما جاز فعله واقتناؤه جاز أخذ المال عليه فمثلا كلب الصيد يجوز اقتناؤه للحاجة ويحرم بيعه. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى بذل المال فيما لا ينفع في الدين ولا في الدنيا منهي عنه وإن لم يكن قمارا وأكل المال بالباطل حرام بنص القرآن ... وقد يرخص في بعض ذلك إذا لم يكن فيه مضرة راجحة لكن لا يوكل به المال ولهذا جاز السباق بالأقدام والمصارعة وغير ذلك وإن نهي عن أكل المال به وكذلك رخص في الضرب بالدف في الأفراح وإن نهي عن أكل المال به. فإن قيل من أمتهن الضرب بالدف لن يضربنه إلا بمال فيقال يمكن أن تستعار دفوف وتضرب به النساء الحاضرات أو يستغنى عن ذلك بسماع ضرب الدف عن طريق جهاز التسجيل.

وإذا كان الضرب بدف محرم كأن يكون فيه جلاجل أو بآلات اللهو المحرمة أو كان الغناء بالأشعار المحرمة التي تثير الهوى الكامن وتدعو للفاحشة أو أغاني أهل الفجور فهي محرمة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود عن ابن عمر بإسناد حسن.