• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / مواعظ وخواطر وآداب
علامة باركود

رمضان الوافد الحبيب

رمضان الوافد الحبيب
لامية الهادي بوصلاح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/6/2017 ميلادي - 6/9/1438 هجري

الزيارات: 6495

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رمضان.. الوافد الحبيب


الحمد لله المستحقِّ لغاية التحميد، المتوحِّد في كبريائه وعظمته الوليِّ الحميد، الذي لا ينفَدُ عطاؤه ولا يَبِيد، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خيرِ مَن صلَّى وصام، وعلى آله وصحبه الكرام، أما بعد:

فإن الله تعالى من رحمته وعظيم فضلِه أن يَمُنَّ على عباده بين الفينة والأخرى بمواسمَ للطاعة؛ ليغفر ذنوبهم، ويُعيد لهم رشدهم المفقود، ومِن هذه المواسم المباركة شهرُ رمضان، الذي ذلَّل الله فيه لعباده قطفَ ثمراتِه الكثيرة النافعة، المُنجِية من عذاب الله، والموصلة إلى الجنة.

 

ورمضان شهرٌ عزيز وضيف غالٍ، ولكنه في زماننا هذا الذي أدبرنا فيه عن الله وطاعته، وغلبَتْنا أنفسنا، وتغلَّبت علينا شهواتنا، هو أعزُّ وأغلى من أي وقت آخر؛ لأنه الحبل المتين الذي نشدُّ به الرحال إلى الله لنصل الجنة، تلك الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، جنةٌ قال تعالى عنها: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 15].

 

أحبة الإيمان، جاء رمضان ليشفيَ القلوب، ويداوي الجراح، ويَهدي إلى طريق الله طريقِ الجنة ونعيم الجنة، ونحن في زمن حرَصنا على معرفةِ الناس ومحبتهم، ونسِينا معرفةَ الله ومحبته، جاء رمضان يهتف فينا: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]؛ ليخلِّصنا من محبة النفس والأزواج والأولاد والعشيرة والأموال والمساكن، ويقودنا إلى محبة الله؛ لنفوز بجنة الله.

 

وفي زمن أعجبَتْنا أنفسنا، وأصابنا الغرور بأعمالنا، وأظهرناها من السر إلى العلن؛ بُغيةَ نَيْل محمَدة الناس وثنائهم، جاء رمضان يُذكِّرنا بالإخلاص لله، وإرادة وجهه الكريم؛ لنفوز بجنة الله.

 

وفي زمن ضعُف فيه يقينُنا بالله، فابتعدنا عن الطاعة وأقبلنا على المعصية، جاء رمضان يعلِّمنا تجديد الإيمان وزيادة اليقين؛ لنفوز بجنة الله.

وفي زمن فقَدْنا فيه استشعار وجودِ الله؛ فعصينا الله، ونسينا الله، جاء رمضان يُذكِّرنا بالله ويهتف بنا: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]؛ حتى نستشعر رقابةَ الله علينا فنعبده وكأننا نراه، فإن لم نكن نراه فإنه يرانا، فنخاف الله ونطيع الله؛ لنفوز بجنة الله.

 

وفي زمن صاحَبْنا النفسَ الأمَّارة بالسوء، واستأمنَّاها على إيماننا، وتركناها بلا حساب، حتى طغت علينا وأثقلتنا بكثرة الذنوب، جاء رمضان يُوقِظنا من الغفلة، ويدعونا لمحاسبة النفس على ما مضى، ومجاهدتها فيما بقي؛ لنفوز بجنة الله.

وفي زمن زلَّت بنا الأقدام، وامتلأت سجلَّات أعمالنا بالذنوب والخطايا والآثام، فقلَّ التوفيق، وكثُرَت المصائب، وأُغلِقت الأبواب، جاء رمضان يدعونا إلى التوبة إلى الله؛ لنفوز بجنة الله.

 

وفي زمن أصبحت فيه فطرتُنا منكوسةً، فحرَصْنا على المعصية، وتركنا الطاعة، وصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، انقلب العدو صديقًا، وعاد الصديق عدوًّا، أُمِر بالرذيلة، وحُوربت الفضيلة، طُمِست نجوم الهدى، وبرز عشاق الهوى، حلَّ التخشع محل الخشوع، والخيانة محل الأمانة، والمراقصُ محل المساجد، والخليلات محل الزوجات، والهدم محل البناء، وبدلًا من الزحف لتحرير المقدَّسات، كان الزحف لإحراز الميداليات، وبدلًا من حشد الأمة لمواجهة الأعداء، كان حشدها لشهود حفلات الرقص والغناء، وأصبح حالُنا كما وصَفَنا أبو الدرداء: "لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم، ما عرَف شيئًا مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة"[1] - جاء رمضان يخوفنا بالله ومن الله؛ لنتقي الله، ونخشى الله؛ لنفوز بجنة الله.

 

وفي زمنٍ قَسَت فيه القلوب، وقحَطَت العيون، ولم تبالِ بكثرة الذنوب ولا ببعدها من الرحمن، جاء رمضان يحثُّنا على البكاء من خشية الله؛ لنغسل قلوبنا بماء التوبة والخشية ونفوز بجنة الله.

وفي زمنٍ خضَعَت الرقابُ والجوارح في الصلاة، ولم تخضَعِ القلوبُ ولم تخشع، جاء رمضان يُذكِّرنا بفضل الخشوع؛ لنفوز بجنة الله.

 

وفي زمنٍ بان فيه اعوجاجنا، وحِدْنا عن الصراط المستقيم الذي رسَمه الله لنا، جاء رمضان ليُقوِّم اعوجاجنا، ويعيدنا إلى جادة الصواب بالاستقامة على صراط الله المستقيم؛ لنفوز بجنة الله.

وفي زمن اشتغل الناسُ باللغو والغناء والكلام الفاحش وما يسخط الرحمن، جاء رمضان شهر القرآن ليُعيد الناس إلى الاشتغال بالقرآن كلام الرحمن؛ عسى أن نفوز بجنة الله.

 

وفي زمن عمَّت الغفلةُ، وكثُر الإعراض عن الله والإقبال على الناس والدنيا، جاء رمضان يُذكِّرنا بالله ويدعونا إليه؛ لنفوز بجنة الله.

وفي زمنٍ غلَب فيه نوم القلوب وجذب الفراش حتى أصبحت القلوب صمَّاء لا تسمع نداء الرحمن، الذي ينزلُ إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة وهو يقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ ولكن لا حياةَ لمن تنادي، جاء رمضان يذكِّرنا بمدرسةِ الليل، وفضل الاستغفار بالأسحار؛ لنفوز بجنة الله.

 

وفي زمنٍ كثُر فيه البلاء فلم نصبِرْ، وكثُرَت فيه النِّعم فلم نشكر، جاء رمضان يُعلِّمنا أن الإيمان نصفُه صبرٌ، وآخر شكر؛ لنفوز بجنة الله.

وفي زمنٍ غشِيَتنا الفتن، وكثرت المحن، وأغلقت الأبواب من كل جانب، جاء رمضان يُذكِّرنا بباب الله الذي لا يُغلَق لنتوجَّه إلى الله بالكلية بالدعاء والتضرع؛ لنفوز بجنة الله.

 

وفي زمنٍ ساءت فيه أخلاق الناس، وتحوَّلوا بأخلاقهم من الإيثار إلى الاستئثار والظلم، جاء رمضان يذكرنا بمكارم الأخلاق؛ لنفوز بجنة الله.

وفي زمنٍ قبَضْنا بقوة على الدينار والدرهم حتى أصابنا البخل والشح، وغُلَّت أيدينا، جاء رمضان ليبسط الأيادي المغلولة إلى العنق ببذل المعروف والصدقات؛ لنفوز بجنة الله.

 

والنفس البشرية - سواء كانت رجلًا أو امرأةً - "تشتاقُ وتطربُ عند ذكر الجنة وما حوَتْه من أنواع الملذات، وهذا حسن، بشرط ألا يُصبِح مجرد أماني باطلة دون أن نُتبع ذلك بالعمل الصالح، فإن الله يقول للمؤمنين: ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الزخرف: 72]، فشوِّقوا النفس بأخبار الجنة، وصدِّقوا ذلك بالعمل"[2].

 

فضل رمضان:

فرَض الله على المسلمين صومَ رمضان؛ ليُحقِّق في نفوسهم التقوى واستشعار رقابته، وهو أحد الأركان الخمسة التي بُني عليها الإسلام؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُنِي الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))؛ متفق عليه.


والصيام كما قال سيد قطب رحمه الله: "فريضةٌ قديمةٌ على المؤمنين بالله في كل دين، وأن الغاية الكبرى هي إعدادُ قلوبهم للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله"[3].

والصيام في اللغة يعني الإمساك.

وأما شرعًا، فقد عرَّفه الحافظ ابن حجر رحمه الله، فقال: هو "إمساكٌ مخصوص، في زمن مخصوص، من شيء مخصوص، بشرائطَ مخصوصة".

 

وقد قيل بأن الصوم: "عمومٌ وخصوص، وخصوص الخصوص، فصومُ العموم هو كف البطن والفرج وسائر الجوارح عن قصد الشهوة، وصوم الخصوص هو كف السمع والبصر واللسان واليد والرِّجل وسائر الجوارح عن الآثام، وصوم خصوص الخصوص هو صوم القلب عن الهمم الدنية، وكفُّه عما سوى الله بالكلية"[4].

 

ورمضانُ شهرٌ مبارك؛ فقد بعث الله فيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأنزل معه القرآن؛ لقوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].

ورمضان شهرٌ مبارك مَن صامه إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه.

 

ورمضان شهرٌ مبارك، للصائم فيه فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ودعاؤه مستجابٌ، وله دعوة عند الفطر لا تُرَدُّ، وفي كل ليلة لله عتقاءُ مِن النار.

ورمضان شهر مبارك يُكفِّرُ الله به الذنوبَ إلى رمضان الذي يليه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مُكفِّرات ما بينهن إذا اجتَنَب الكبائر))؛ رواه مسلم.

 

ورمضان شهرٌ مبارك؛ تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النيران، وتُسَلْسَل فيه مردة الشياطين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل شهر رمضان فُتِّحت أبواب السماء، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسُلْسِلت الشياطين))؛ متفق عليه.

ورمضان شهرٌ مبارك؛ فيه ليلة القدر التي هي خيرٌ مِن ألف شهر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه حدَّثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه))؛ رواه مسلم.

 

ورمضانُ شهرٌ مبارك؛ فمن صامه إيمانًا واحتسابًا، كان شفيعًا له يوم القيامة، وأُدخِل مِن باب الريان إلى الجنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجنة بابًا يُقال له: الريَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد))؛ متفق عليه.

 

ورمضان شهرٌ مبارك، خُلوف فمِ الصائم فيه عند الله أطيبُ مِن ريح المسك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفس محمد بيده، لَخُلُوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله يوم القيامة من ريح المسك))؛ أخرجه أحمد.

ورمضان شهر مبارك؛ لأن العمرة فيه تعدل حجَّةً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((عمرة في رمضان تعدل حجة))؛ متفق عليه.

 

ورمضان شهر مبارك؛ لأن الجزاء فيه للهِ وحدَه؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال مخبرًا عن ربه: ((الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها))؛ متفق عليه.

ورمضان شهرٌ مبارك؛ تَلِين فيه القلوب وتخشَعُ، والعيونُ فيه تفيض وتدمَعُ، والمساجد فيه تعمَّر، ويستبِقُ الناس فيه الخيرات؛ بتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبذل الصدقات، فلا ترى المسلمين إلا وقد خلَعوا لباس المعاصي، ولبِسوا لباس التقوى الذي هو خيرٌ لهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم.

 

ورمضان شهر مبارك؛ لأنه يُعلِّم المسلمين الصبر وقت الشدائد والمحن، والصبر على الطاعة واجتناب المعصية.

ورمضان شهر مبارك؛ لأنه يعلِّم المسلمين البذل والعطاء، ويمحو من قلوبهم الأحقاد، فيلينها ويزينها بمحبة الله والرأفة بعباده.

 

ورمضان شهر مبارك؛ تزدادُ فيه روحانيةُ المسلمين لطهارة قلوبهم وحياتها روحانية وصفها إبراهيم الدويش في إحدى محاضراته فقال:

"وهذه هي الروحانية العجيبة التي نحياها في رمضان، روحانية صائم، بذرها بالجوع، وسقاها بالدموع، وقواها بالركوع، وحسنها الخشوع والخضوع.

 

روحانية صائم؛ فيها السعادة واللذة، والأفراح والأشواق، ما لا يبثُّه لسان، ولا يصفه بيان.

روحانية صائم؛ فيها الأرواح تهتزُّ وترتاح، وتطير بغير جناح، فهي في أفراح وأفراح.

روحانية الصائم؛ فيها من الحنينِ لجنات النعيم ما تورَّمت له أقدام المتهجِّدين، وبذل له الثمين، وسمع له الأنين.

روحانية صائم؛ لا يعرفها العاشقون، ولا المتصوِّفة الواجدون، بل هي واللهِ حكرٌ على المحبِّين الصادقين، والمخلصين العارفين.

روحانية صائم؛ تخلَّصت مِن أسر الهوى والشهوة وحِيل النفس والشيطان.

 

روحانية صائم؛ عاش في جنةِ الدنيا، وفي الدنيا جنةٌ مَن لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، ولكن كم بين خليٍّ وسجي، وواجد وفاقد، وكاتم ومبدٍ"[5].

والله تعالى أكرَمَ المسلمين بصيامِ هذا الشهر؛ ليغفرَ ذنوبهم، ويتجاوز عن سيئاتهم، ويرفع درجاتهم، وليعيدهم إلى جادَّة الصواب، وإلى طريقه المستقيم؛ طريق الإيمان والتقوى، والعبادة والهدى والاستقامة.

 

والله تعالى يريدُ بعبادِه اليُسر، ولا يريد بهم العسر، يريد بهم يسر العبادة، ولذة المناجاة، والإقبال على الطاعات التي يكتب لهم بها الفوز والفلاح في الدارين، ولا يريد بهم العسر؛ فهو سبحانه لم يجعَلْ رمضان تجويعًا لهم، ولا تضييقًا عليهم، بل أراده رفعةً وزكاة وطهارة لهم، ومن واجب كل مسلم أن يُحسِن استقبال هذا الضيف العزيز الذي يأتي في العام مرة، ولا يدري الواحد منا كم سيُدركه في حياته مرة، وصدق القائل:

كم كنتَ تعرفُ ممَّن صام في سلفٍ
مِن بين أهلٍ وجيرانٍ وإخوانِ
أفناهُمُ الموتُ واستبْقاك بعدَهُمُ
حيًّا، فما أقربَ القاصي من الداني


ومن واجب المسلم أن يتأدَّب بآدابه التي أوصانا بها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ((الصيام جُنَّة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم، مرتين))؛ متفق عليه.

وأما الحكمة من مشروعية الصيام، فهي كما قال عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي -: فيه تزهيد في الدنيا وشهواتها، وترغيب في الآخرة.

 

فيه باعثٌ على العطف على المساكين والإحساس بأحوالهم.

فيه تعويدُ النفس على طاعة الله جل وعلا، بترك المحبوب تقربًا لله[6].

فيه تعويدُ النفس على مكارم الأخلاق.

في الجوع والعطش إشعارٌ للنفس بمدى ضعفها ونقصها.

سأصرفُ همَّتي بالكلِّ عمَّا
نهاني اللهُ مِن أمر المزاحِ
إلى شهرِ الخضوع مع الخشوعِ
إلى شهرِ العفافِ مع الصلاحِ
يجازَى الصائمون إذا استقاموا
بدارِ الخُلدِ والحُورِ المِلاحِ
وبالغفرانِ مِن ربٍّ عظيمٍ
وبالمُلك الكبيرِ بلا براحِ
فيا أحبابَنا اجتهدوا وجدُّوا
بهذا الشهرِ مِن قبل الرَّواحِ
عسى الرحمنُ أن يمحو ذنوبي
ويغفرَ زلَّتِي قبل افتضاحِ


السابقون والمتخلفون:

الناس في الحياة الدنيا ثلاثة أصناف: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ [فاطر: 32]؛ "فالظالم لنفسِه العاصي بترك مأمورٍ وفعلِ محظور، والمقتصد المؤدي الواجب والتارك المحرمات، والسابق بالخيرات المتقرِّب بما يقدر عليه من واجب ومَسْنونٍ، والتارك للمحرم والمكروه"[7].

 

والسابق قريبٌ من الله؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [الواقعة: 10، 11]، ولكن فرصة الآخرين ضئيلةٌ؛ لقوله: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ﴾ [الواقعة: 14]، وهذا ما يجعل السباق يشتد بين الآخرين: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

 

ولأن الله تعالى كريمٌ رحيمٌ حليمٌ، فإنه يتفضَّل على عباده بشهر رمضان المبارك من كل عام؛ ليجدِّدوا فيه العهد مع الله، فيَرجِعُوا من المعصية إلى الطاعة، ومن القبيح إلى المليح، ويرتقوا من الأدنى إلى الأعلى، وقد جعل الله عز وجل شهر رمضان شهرًا للرحمة والمغفرة والعتق من النار؛ فيه تتضاعف الأجور، وتُرفَع الدرجات، وتقضى الحوائج وتُنال الرغائب بفضل الله.

 

ورمضان شهرٌ شعارُه قولُه تعالى:﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد: 21]، وقد فقه سيد قطب رحمه الله هذا السباق، فقال:

"ليس السباق إلى إحرازِ اللهو واللعب والتفاخر بسباقٍ يليقُ بمن شبُّوا عن الطوق، وتركوا عالم اللهو واللعب للأطفال والصغار! إنما السباقُ إلى ذلك الأفق، وإلى ذلك الهدف، وإلى ذلك المُلك العريض ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21]"[8].

 

فالسابقون إلى اللهِ في رمضان صاموا عن شهوات البطن والفرج، وصاموا عن الآثام، واجدين بذلك حلاوةً، وأما المتخلفون، فقد صاموا عن شهوات البطن والفرج، واجدين مع ذلك مشقةً.

والسابقون إلى الله في رمضان أقبَلوا على التوبة والاستغفار، وأما المتخلفون، فقد استمروا في الغفلة والبُعد عن الغفَّار.

 

والسابقون إلى الله في رمضانَ أقبلوا على القرآن قراءةً وتدبرًا وحفظًا، فعرَفوا قيمته، ولم يشبعوا منه، والمتخلفون شغَلوا وقتَهم بمشاهدة التلفاز وتقليب القنوات، وقراءة الجرائد والمجلات، وكثرة اللغو وتتبُّع العوْرات، واستماع الغناء ومعاكسة الفتيات.

 

والسابقون إلى الله في رمضان تغلَّبوا على شح أنفسهم، فبسطوا أياديهم بالصدقات على أولي القربى واليتامى والفقراء والمساكين، وأما المتخلفون، فقد أنفقوا أموالهم على صنوف المأكولات والمشروبات، ثم ألقوا ما تبقَّى في المزابل، وهذا إسرافٌ نهى الله عنه، والله لا يحبُّ المسرفين، وأمثال هؤلاء الذين لا يفقهون إلا لغةَ البطن والفرج يأكُلون ويتمتَّعون كما تأكل الأنعام، والنار مثوى لهم، والعياذ بالله.

 

والسابقون إلى الله في رمضان تابوا وأنابوا، فنهارُهم جوع وطاعة وعمل، وليلهم قيام بخشوع وخضوع ودموع في المساجد والمحاريب، راجين رحمةَ الله ومغفرته.

وأما المتخلفون، فنهارهم جوع ونوم، مع غفلة وعدم احتساب، وليلهم أكل وسهر ومرح؛ لأن قلوبهم قاسية.

 

والسابقون إلى الله في رمضان لا يفتُرُ لسانُهم بالذكر والدعاء والاستغفار، فاطمأنَّت قلوبهم، وذاقوا حلاوة الإيمان، وعرَفوا معنى القرب من الرحمن.

وأما المتخلفون، فنهارهم غفلة ولغو وسهو، نسوا الله فأنساهم أنفسهم.

والسابقون إلى الله في رمضان يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر.

 

والمتخلفون يأمر بعضهم بعضًا بالمنكر، وينهَون عن المعروف؛ لأن فطرتهم منكوسة، الحلال في نظرهم حرام، والحرام عندهم حلال، والعياذ بالله.

والسابقون إلى الله في رمضان آمَنوا وعملوا صالحًا مخلصين لله، وخافوا ألا يُقبل، فأشفَقوا من العذاب، ومن يوم الحساب.

وأما المتخلفون، فقد آثروا الحياة الدنيا واطمأنوا بها، ورجوا النجاة، أو ربما نسوا يوم الحساب.

 

والسابقون إلى الله في رمضان عرَفوا قيمة كلِّ لحظة من لحظات رمضان، فاستغلوه في الطاعة، وعَمَرُوه بالعمل الصالح، ومع ذلك لم يقضوا وطرَهم منه.

وأما المتخلفون، فغافلون عن الطاعة، والأدهى من ذلك أنهم استطالوا أوقات رمضان وتمنَّوا لو يرحل.

 

والسابقون إلى الله في رمضان قلوبهم رقيقة، ومشاعرهم مرهفة حساسة، فهم يألفون ويُؤلَفون، ألفوا رمضان فلما دنا رحيلُه أصابتهم الحسرة، فأسبلوا العَبرة على الرحيل المرِّ.

وأما المتخلفون، فيتحسرون على انقضاء الأطعمة وأوقات السهر التي كانوا في الباطل يقضونها.

 

وصدق الشاعر إذ يقول:

رمضانُ؛ رُبَّ فمٍ تَمَنْ
نَعَ عن شرابٍ أو طعامْ
ظنَّ الصيامَ عن الغذا
ءِ هو الحقيقةَ في الصيامْ
وهوَى على الأعراضِ ين
هشُها ويقطَعُ كالحمامْ
يا ليتَهُ إذ صام، صا
م عنِ النمائمِ والحرامْ
واستاكَ إذ يستاكُ من
كذبٍ وزورٍ واجْترامْ
وعن القيامِ لو انَّه
فيما يحاوِلُه استَقامْ
رمضانُ نجوى مخلصٍ
للمسلمين وللسلامْ
تسمو بها الصلواتُ والدْ
دَعواتُ تَضْطَرِمُ اضطِرَامْ

 

فلنجتَهِد أحبة الإيمان في هذا الشهر المبارك، ولنغتَنِم أيامه ولياليَه، بل فلنغتَنِم كل لحظة من لحظاته ونجعلها لله لنفوز برضا الله، ولنصرف همَّنا وهمتنا إلى الفوز بذلك النعيم الروحيِّ والأجر العظيم من الرحمن، الذي نجده في رمضان دون سواه، فإن كنت تطلب أعلى الدرجات، فاجتهد ألا يسبقك بطاعة الله أحد، فالله يقول: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الحديد: 21]، وقال: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].



[1] سباق نحو الجنان (90)، خالد أبو شادي، ط/ دار البشير.

[2] أحوال النساء في الجنة (4)، سليمان بن صالح الخراشي، ط/ دار القاسم.

[3] في ظلال القرآن (2/ 168)، سيد قطب، ط/ دار الشروق.

[4] المستطرف في كل فن مستظرف (1/ 38)، الأبشيهي، ط/ دار الهدى.

[5] روحانية صائم (4)؛ إبراهيم الدويش.

[6] أحكام الصيام (4)، عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي.

[7] التحفة العراقية (36)؛ ابن تيمية.

[8] في ظلال القرآن (6/ 3492)، سيد قطب.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • رمضان الصبر والمصابرة
  • رمضان المبادرة .. الدعاء الدعاء
  • من فضائل شهر رمضان المبارك
  • استقبال شهر رمضان المبارك
  • هذا هو رمضان المبارك
  • الفرح بقدوم رمضان المبارك
  • رمضان مصباح العام وواسطة النظام
  • رمضان يتكلم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • علمني رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • الوافد المسموم من التخطيط إلى التطبيق(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ مصطفى صبري وموقفه من الفكر الوافد(رسالة علمية - موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي)
  • استقامة المصطلح الوافد(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • فانوس رمضان ( قصة قصيرة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إني لأجد ريح رمضان(مقالة - ملفات خاصة)
  • انتصف رمضان فاحذر!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شهر رمضان شهر مبارك وشهر عظيم(مقالة - ملفات خاصة)
  • من حصاد رمضان (1)(مقالة - ملفات خاصة)
  • استعراض الصحف الإيطالية لشهر رمضان 2014 في إيطاليا(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/9/1444هـ - الساعة: 1:58
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب