• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع محمد بريشد. محمد بريش شعار موقع محمد بريش
شبكة الألوكة / موقع د. محمد بريش / بحوث ودراسات


علامة باركود

تعاريف الخبراء لعلوم المستقبل

تعاريف الخبراء لعلوم المستقبل
د. محمد بريش

تاريخ الإضافة: 14/4/2014 ميلادي - 13/6/1435 هجري

الزيارات: 14448

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تعاريف الخبراء لعلوم المستقبل

حاجتنا إلى علوم المستقبل (4)


لقد عرّفنا في المبحثين السابقين بالمفهوم المتعلق باستشراف المستقبل مصطلحًا ومضمونًا. وقبل التطرق لمبحث حول حاجتنا إلى علوم المستقبل قصد بلورة هذا الفن وغرس جذوره في حقل الثقافة الإسلامية حتى تكون ثماره مادة لبلورة المخططات، وزادًا لصياغة الاستراتيجيات، وتكون شجرته الممتدة إلى الأعلى ظلالاً يستظل في فيئها الاجتهاد المعاصر من شمس الواقع المحرقة، ولهيب قضايا العصر المتشعبة، نقدم في هذا المبحث مجموعة من التعاريف لفريق من خبراء المستقبلية المشهورين حتى نكون قد وفينا المفهوم حقه من التعريف.

 

ونقدم التعاريف المقتبسة حسب الترتيبات التالية:

أ‌- تعاريف الخبراء العرب:

1،1- تعريف لرئيس الجمعية الدولية المستقبلية، وعميد الخبراء المستقبليين العرب، الدكتور المهدي المنجرة، مقتبس من نص سلمنا إياه ومحاضرة شهيرة له، نشرت غير ما مرة، تحت عنوان "المغرب العربي سنة 2000"[1].

 

2،1- تعريف مقتبس من أول كتاب جامع حول دراسات المستقبل بالعربية، أصدره "منتدى العالم الثالث: مكتب الشرق الأوسط" في إطار دراسته لصالح "جامعة الأمم المتحدة" والمتعلقة بـ"مشروع المستقبلات العربية البديلة"[2].

 

3،1- تعريف مقتبس من أوسع دراسة استشراف شهدها العالم العربي، وهي الدراسة المنجزة من طرف "مركز دراسات الوحدة العربية" تحت عنوان "مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي"[3].

 

2- تعريف للخبراء الأمريكيين:

تعريف مقتبس من مجلة Futurist الأمريكية التي تصدرها "الجمعية الدولية للمستقبل" بواشنطن[4].

 

3- تعريف للخبراء الفرنسيين:

تعريف مقتبس من مجلة Futuribles الفرنسية التي تصدرها "الجمعية الدولية للمستقبلية" بباريس[5].

 

وإليك عزيزي القارئ هذه التعاريف:

1،1- تعريف الدكتور المهدي المنجرة: ما هي المستقبلية (Prospective)؟

• أصل المصطلح في الفرنسية من كلمة "prospect" أي كيفية النظر إلى الشيء، وبذلك فالمستقبلية هي مجموعة من الأبحاث حول التطور المستقبلي للإنسانية تمكن من استخلاص عناصر التوقع.

 

ولا يتعلق الأمر بتقمص نبوة زائفة، أو إصدار تكهنات أو أحلام حول المصير المقبل للإنسانية. كما لا يتعلق الأمر كذلك بعلم حقيقي، ومن هنا جاء الرفض لمصطلح (futurologie) فالمستقبلية منهج يسمح بدراسة التطورات المختلفة المحتملة لوضع معين في وقت محدد وتطويق نتائج هذا القرار أو ذاك على هذه التطورات.

 

ودراسة المستقبل تسلك دومًا سبيلًا مفتوحًا يعتمد التفكير فيه على دراسة خيارات وبدائل، كما أنها شاملة ومنهجها متعدد التخصص.

 

أما الكلمة المفتاح فيها فهي "الإشكالية" تلك التي تنتج عن الروابط بين مختلف أنواع المشاكل فمثلاً، من السهل تصور العلاقة الموجودة بين المشاكل مثل مشكل السكان، أو الصحة، أو التربية، أو الغذاء، أو الطاقة، أو التلوث، وهكذا، هذه العلاقة تبرز بشكل أكثر ديناميكية عندما تقوم بإسقاطها ودراسة توقعاتها على مدى العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة.

 

ومهمة الدراسات المستقبلية هي قبل كل شيء مهمة بيداغوجية لتحميس الجمهور والمسؤولين لموضوع اختيارات المستقبل، ويتعلق الأمر أولاً بدراسة المشاكل البارزة حينما نكون عاجزين عن مواجهة التغيير والتأقلم مع عالم الغد.

 

وتخطيط مندفع في مرحلة زمنية محدودة (من ثلاث إلى خمس سنوات) دون تبصر بالاتجاهات التطورية الكبيرة والخيارات المستقبلية - يوشك أن يزيف تحليل المشاكل ولهذا وجب أن يرتكز التخطيط على توقعات طويلة المدى (من 15 إلى 30 سنة).

 

وللمجتمع الإنساني نظام لدق ناقوس الخطر، يندلع كلما باشر الخوض في منعطف صعب، لكن قلما ينتبه لتحذيراته.

 

أ- لماذا دراسات المستقبل؟

الاهتمام بالمستقبل طبيعة إنسانية، وهي ما يميزه عن الحيوان وهذا الاهتمام موجود في جميع ديانات وثقافات الإنسانية، أما الجديد فهو:

1- سرعة حركة التاريخ واشتداد وتيرة التغيير.

2- انفجار المعارف.

3- تعقد تطور المشاكل التي تزداد تداخلاً بينها شيئًا فشيئًا.

4- تقلص الزمان والمكان.

 

ثم إن دور المستقبلية لا يكمن في إصدار نبوءات، إذ يتجلى هدفها في تحديد الاتجاهات وتخيل مستقبل مرغوب فيه، واقتراح استراتيجيات لتحويله إلى مستقبل ممكن. وهكذا فإن الأمر يتعلق بتسليط الأضواء على الاختيارات قصد مساعدة صانعي القرارات للتوجه نحو الأهداف الطويلة المدى، مع إطلاعهم على التدابير الواجب اتخاذها في الحين قصد الوصول إليها.

 

والمستقبلية لا تدعي عصمة في توقعاتها ونجاحها، بل على العكس من ذلك الشيء الوحيد المؤكد هو أن أيًا من هذه التوقعات لا يبدو صحيحًا على الإطلاق.

 

والنظرة المستقبلية متعددة بطبيعة الحال. إذ بالإمكان تصور عدة أوجه ممكنة للمستقبل، وذلك لكون الإنسان البشري يتوفر على وسائل لصنع مستقبله.

 

ثم إن المستقبلية لا تبرز من العدم الظرفي، بل إن مقارنتها مع التاريخ أمر حيوي جدًا، فكثيرًا ما اتجهت بلدان العالم الثالث إلى جعل التاريخ غاية في حد ذاته أو الرجوع إليه لتبرير الجمود وخيبات الحاضر بدل أن تواكبه وتتوقع مآله.

 

(ولطالما أشرت) بكيفية ملحة إلى أهمية البعد الثقافي وأنظمة القيم في التنمية، وبديهي أن الإسلام كقوة للتغيير والإبداع سيلعب دورًا طليعيًا في هذا التطور، إذ هناك عودة إلى الروحانيات خاصة عند الشباب الذي أصابه اليأس من جراء سلوك من هم أكبر منه سنًا والذين لم يكونوا في مستوى إعطاء نموذج أو على الأقل قدوة ملائمة في السلوك منسجمة ومحترمة، وطبيعي أن يرجع الشباب إلى الينابيع للعثور على الأنماط التي تقود خطواته.

 

إن المستقبل الممكن والمنشود (للعالم العربي والإسلامي) يرتكز أساسًا على تجديد الإسلام -إسلام الاجتهاد وليس إسلام التقليد- الذي كان وراء سقوط حضارة ابتعدت تدريجيًا عن مهمة الخلق والإبداع اللذين واصلهما المسلمون إلى يوم أعلم فيه بعض الفقهاء جزافًا إغلاق باب الاجتهاد. إن الإسلام دين متفتح يترك للفرد مبادرة كبرى وحرية في التكييف والتغيير وتوقع التحولات. فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته لم يتوقعوا المستقبلية في فجر الإسلام، ما كان هناك اليوم مليار من المسلمين.

 

2،1- تعريف خبراء "مشروع المستقبلات العربية البديلة":

نحاول هنا فتح باب المناقشة حول العناصر الواجب الاتفاق عليها عند استشراف المستقبل ونحتاج في البدء إلى مزيد من مناقشة مفهوم "الاستشراف" في حد ذاته.

 

أ- الاستشراف العلمي للمستقبل يقوم على فهم الماضي والحاضر، أي فهم تأثير العوامل التي شكلت معالم الماضي والحاضر معًا. وجودة هذا الاستشراف هي رهن بحالة أدوات المعرفة العلمية المتوافرة وبالتالي فإن عملية "الاستشراف" يجب أن تكون عملية مستمرة عبر الزمن، إذ أن تفاصيل وأبعاد المستقبل سوف تتأثر بتراكم معرفتنا العلمية للواقع.

 

ب- والاستشراف العلمي لأبعاد المستقبل لا يقدم نبوءات ولا تفاصيل مؤكدة، من كان يتنبأ في بدء القرن العشرين بكل أحداثه الجسام؟ فمن يستطيع اليوم الادعاء بتقديم صورة لأحوال قطر، أو أحوال العالم في غضون الخمسين سنة المقبلة، خصوصًا في ارتباطها بالأحداث والتصرفات والرغبات البشرية، أي أنه يفيد في العمل على الاقتراب من البديل الأفضل للمستقبل.

 

جـ- وأدوات الاستشراف تبدأ أولاً بالبحث عن نظرية تحليلية نشتقها من فهمنا للماضي والحاضر، وأي أدوات أخرى ما هي إلا صيغة أدق لهذه النظرة - ليست بديلاً لها - وتساعد على الحديث عن توقعات المستقبل بالأرقام فقط، فالمنظور الأيديولوجي الواضح هو ضمان للنظرة الشاملة واهتمام بدرجة وعي الإنسان لديناميكيات التقدم إلى الأمام. وقد تساعد الأدوات الكمية المكملة في مزيد من الفهم للنظرية وعملها في الواقع، ولكن مرة أخرى فإنها لا تكفي في حد ذاتها لكي تنهض عليها نظرية.

 

د- ولذا فهناك فائدة حقيقية تعود للمجتمعات من عمليات الاستشراف العلمي، فالاستشراف العلمي يضاف إلى إذكاء الوعي حول المستقبل، وهذا الوعي يضاف بدوره إلى التشكيل الواعي للمستقبل لتزداد مقدرتنا على استشرافه، وهكذا لذلك يجب تفهُّم الاستشراف العلمي في حدود ما يمكن أن يقدمه، وضمن هذه الحدود فقط.

 

هـ- ولاستشراف أبعاد المستقبل، أهمية فائقة بالنسبة لدول العالم الثالث، فقد أصبح هناك اعترافًا متزايدًا بأن التنمية هي عملية تغيير اجتماعي - اقتصادي - هيكلي - عميق، وهي بذلك يمكن أن تستغرق مدى زمنيًا أطول من المدى الطويل المتعارف عليه في التخطيط الاقتصادي كذلك يركز استشراف أبعاد المستقبل على تفاعل الجوانب المختلفة للنسق الاجتماعي - الاقتصادي في إطار فلسفة الأنساق الكلية لذلك التفاعل الذي يكثر الحديث عنه في فلسفة التنمية ولكنه سرعان ما يختفي.

 

و- ومن الأسباب المؤكدة لأهمية استشراف أبعاد المستقبل كون الأحداث والتطورات الاجتماعية -الاقتصادية مترتبة على بعضها البعض زمنيًا، بحيث إن التأخير في اتخاذ القرارات الملائمة لتحقيق الغايات النهائية المنشودة لا يعني تأخيرًا متماثلاً من الناحية الزمنية في تحقيق النتائج، وإنما قد يعني تأخيرها لفترة أطول، أو عدم إمكان التوصل إليها على الإطلاق.

 

3،1- تعريف خبراء "مشروع استشراف مستقبل العلم العربي":

يعني الاستشراف التبصر في الشؤون المستقبلية لمجتمع معين، من حيث موقعه من المجتمع الدولي، وبالتالي ما يؤول إليه حال البشر في ذلك المجتمع..

 

وإذا كان هذا المجتمع عضوً من ذلك العالم المتغير، فإن مستقبله لن يكون ناتجًا حتميًا لما تمليه مسيرة التغيرات العالمية المستقبلة مثل هذا القول مرفوض أساسًا من منطلقين:

• الأول، هو أن المستقبل لن يكون تجسيدًا لتنبؤ يجتهد بعض الباحثين في إجرائه حول مستقبل البشرية، على النحو الذي ذهبت إليه بعض دراسات المستقبل التي أجريت في الدول الغربية – إن مثل هذا التنبؤ يهمل ضمنًا الطبيعة الإنسانية وخياراتها وقدراتها الإبداعية وحتى في الظروف التي تتسم بالاستقرار وتتصف بتواصل العلاقات التي تحكم حركة المتغيرات، يسعى الإنسان إلى رسم تصورات بديلة لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع المستقبلية، ليتخير في ضوئها أدوات لإحداث نوع من التغيير يتفق مع طموحاته وآماله في مستقبل أفضل.

 

• الثاني: هو أن التسليم بمثل هذا المنطق يعني افتراض انعدام الإرادة العربية، ونفي إمكان قيامها بدور مؤثر -إيجابيًا وسلبيًا- في رسم معالم مستقبل العالم في مجموعة، وفي اختيار مسار لمستقبل الوطن العربي على وجه الخصوص على أن تلك الإرادة وذلك الدور سوف يتشكلان وفق وزن الفعل وطبيعة كل منهما، وهذه بدورها تتوقف إلى حد كبير على مقدار الإعداد المسبق لكل منهما، وهو ما يتأثر بمدى التعرف سلفًا على المواقف المستقبلية الممكنة أي بما يجريه العرب من استطلاع لاحتمالات المستقبل واستشراف له.

 

فالاستشراف إذًا ليس مجرد رسم تخيلات مستقبلية يضيفها الإنسان العربي إلى معارفه ويرضي بها النزعة البشرية التواقة إلى كشف ستر الغيب، وهو لا يقف عند حد إعمال الفكر والخيال واستخدام الحساب والقياس لبرامج المستقبل وآفاقه كافة وبلورة نقاط الالتقاء التي تميز بين الأساسي والثانوي، والتي تنتشل ما هو علمي مما هو دون ذلك، والتي تغلب نظرات تتسم بالشمول والإحاطة على تلك التي تتصف بالجزئية ويشوبها القصور.. إن الاستشراف يتجاوز ذلك إلى تناول مشاهد المستقبل وتوقعاته المطروحة في أذهاننا وإلى إعادة قراءة الواقع العربي بكل جوانبه الحضارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، بالقدر الذي يخدم إمكانية التعرف على ما يقدر أنه وضع مرغوب في أوائل القرن المقبل، وعلى آليات الوصول إلى ذلك. إنه الحاجة إلى إتاحة القاعدة المعرفية التي تمكن المواطن "المنتظر" من المشاركة في صياغة "المشروع الحضاري للنهضة العربية".. نهضة تضعنا على خريطة العالم وتكفل لنا أن ننضم إلى القوى الفاعلة في تاريخ البشرية، وتهيئ لنا القدرة على تحقيق الأمن والاستقلال والتنمية لوطننا.

 

2- من تعاريف الخبراء الأمريكيين:

ليس للبحث حول المستقبل في حالته المعاصرة إلا عشرون سنة من العمر، وهي مدة غير كافية لإصدار حكم نهائي على هذا النشاط لكن عشرون سنة كافية على كل حال للقيام بحصيلة لهذا البحث، وتقويم منظومته ومنجزاته. وعند الاقتضاء تحديد توجيه جديد له.

 

أ- تعريف صعب التحديد:

ليس للبحث حول المستقبل تعريف مقبول لدى الجميع، ذلك أننا نصطدم في هذا الأمر بالعديد من التفسيرات الممكنة التي تتأكد مع الزمن، هل على البحث العلمي أن يفسر في الاتجاه الواسع لكلمة "مستقبل" أم بالتركيز أكثر فأكثر على كلمة "بحث"؟ إذا اخترنا الحل الأول، فإنه يصبح من المستحيل الإحاطة بهذا الاختصاص، فتشكيلة أنشطته جد ضخمة، أما حين القبول بالثاني فإنه يمكننا تحديد تعريف أكثر حصرًا؛ لأن الجانب التحليلي فيه هو الغالب.

 

وفي كلا الأمرين، وكاتب هذه الكلمات ميال إلى التعريف الأكثر تقييدًا، فإن البحث حول المستقبل أثر تأثيرًا قليلًا ما في المجتمعات. وهذه ثلاث نقط توضح الدور الحالي لهذا البحث:

1- في القطاع العام يلعب البحث حول المستقبل دورًا أصغر، حتى في الحالات القليلة التي يُعترف فيها لهذا البحث بأنه نشاط كامل (مثل التوقع، أو التقدير التكنولوجي).

 

2- في كل ميادين القطاع العام تقريبًا، يفقد البحث حول المستقبل من سرعته في ميدان التوقع والتخطيط، خاصة عند المقاولات.

 

3- بغض النظر عن استثناءات نادرة، فإن هذا الاختصاص ليس مادة تدرس، إلا أن يكون الأب التعيس لبعض الكليات كمدارس التدبير.

 

وبالفعل، إذا كان البحث حول المستقبل يجتاز مرحلة الركود؛ فلأنه لم يحدد دورًا فريدًا أو لم يعط صورة واضحة عن نشاطاته، ويبدو أن الضعف الكبير آت من الرغبة في الشمولية، بحيث إنه يتوخى الاهتمام بكل ما يتعلق بالمستقبل، ولذا فإن حياة هذا البحث يمكن أن تكون مشتبهة، حتى وإن كان دوره في التوقع والتخطيط لا يقبل الجدل كما سنرى فيما بعد.

 

ب‌- المنجزات:

خلال العشرين سنة الماضية، استطاع البحث حول المستقبل أن:

• ينبه المجتمع إلى التحولات البنيوية (أو الانقطاعات الكبرى) لإطار الحياة (التزود بالطاقة، بنية التشغيل، الأخطار التي تهدد البيئة، التقدم التقني).

 

• يشكل ويضبط مناهج التقدير الكيفي لتشخيص التحولات الكبرى البنيوية والبيئية.

 

• يصف الشك الملازم لكل تقدير أو افتراض للمستقبل بدل إلغائه.

 

• يشجع على إعادة التقدير للخيارات والأهداف المفروضة من طرف نطاق الحياة.

 

وبالتالي فإن أهم إنجاز لهذا البحث هو بوضوح الدور الخلاق الذي لعبه في تشجيع إعادة النظر في الأهداف المجتمعية والتنظيمية وولادة مساعي جديدة لإبراز المشاكل والفرص.

 

جـ- تحديد الميادين:

يمكن استعمال البحث المستقبلي بذكاء في عديد من الميادين، وخاصة في القطاع العام. وبالفعل، فإننا نلاحظ أن التقدم التقني قد ساهم في تحولات بنوية قياسية: ندرة الموارد، التبعية الاقتصادية المتبادلة، عدم الاستقرار السياسي.

 

ويمكن أن تكون ميادين العمل كالآتي في القطاع العام:

• التغييرات في بنية التشغيل والناتجة عن التكيفات المسببة من طرف التكنولوجيات الحديثة ومن طرف منافسة دولية حامية أكثر فأكثر.

 

• مناهج جديدة لتحديث التعليم حتى يمكن ضمان المرونة اللازمة لليد العاملة.

 

• معاهد جديدة لضمان مصالح للصحة فعالة وبتكاليف قليلة.

 

• توجهات جديدة تهدف إلى مواجهة أحسن لنقص الماء، ولتآكل الأرض والأمطار الحامضة.

 

• اتحادات اقتصادية بين الدول المصنعة والدول النامية، والتي ستحسن الموارد الطبيعية والتكاملات الجغرافية.

 

وفي القطاع الخاص، يتعلق الأمر بتمليص نتائج التحولات الاقتصادية -الجمعية للبيئة أكثر من وصف هذه التحولات. وفي غضون العشر سنوات المقبلة والتي ستتميز بسرعة التطورات التكنولوجية وبالمنافسة المتزايدة، سيكون لازمًا تحديد منافذ جديدة للمنتجات، وخاصة المتولدة عن التحولات البنيوية للمجتمع.

 

ولذلك ينبغي الأخذ بعين الاعتبار للتغيرات الحاصلة في التطور الاقتصادي ولنسب الفائدة والصرف، وللتغيرات الديموغرافية ولأثرها على الطلب لبعض المنتجات، وعلى الأسعار وعلى خصوصيات المنافسة، وعلى التنظيم والبنية العامة للأسواق.

 

وبديهي أن تحليل التحولات الاقتصادية الجمعية مع الاعتبار بخصوصيات السوق ونوافذه تتطلب إيضاح التقنيات الجديدة المستعملة بإسهاب لآراء الخبراء وبناء السيناريوهات (المشاهد) والنمذجة البنيوية.

 

ولا شك أن البحث حول المستقبل يجتاز مرحلة حرجة، لكن مع ذلك، فإن حظوظه في البقاء كاختصاص متكامل يمكن أن تتزايد شريطة اتباع التوجهات التالية:

• ضرورة التحديد الواضح لدوره ومهمته مع الاعتراف بأنه ليس إلا مجرد عنصر، وإن كان فريدًا من نوعه - للتوقع والتخطيط.

 

• واهتمامًا بالمنهج، على البحث حول المستقبل أن يلعب دورًا هامًا في الصياغة والتركيب للعوامل الكبرى لعلم محتمل لدراسة التعقيد والتغيير.

 

• إن منجزات هذا البحث التي أشرنا إليها فوقه، ينبغي أن تستعمل كواسطة لتوطيد وتوسيع دوره.

 

• ودون أن ننقص من مجهودات هذا البحث حول المستقبل في القطاع الخاص، فإنه ينبغي التركيز في العشر سنوات المقبلة على القطاع العام حيث الحاجة جد ملحة، وحيث المواضيع جد معقدة وإمكانيات التدخل غير مشغلة كما يجب.

 

• على البحث حول المستقبل أن يسهر على إبقاء قدر واضح قدر الإمكان بين مهمته المعيارية ومهمته التحليلية، وفي حالة مخالفة ذلك، فإن معناه سيحجب، وإن مصداقيته وفعاليته وقابليته للحياة على المدى البعيد ستكون مشبوهة.

 

3- من تعاريف الخبراء الفرنسيين:

Prospective (المستقبلية)، prevision (التوقع) planification (التخطيط) مصطلحات ثلاثة تشير عند غير الملم بعلم المستقبل إلى نفس المعنى والمتعلق بابتسار تاريخ مستقبلنا[6]. إلا أنها عند صاحب الاختصاص، تشير بالعكس إلى ممارسات مختلفة قدمت أحيانًا على أنها متنافسة.

 

• فمصطلح (prevision) نشأ وترعرع في الميادين الاقتصادية والتكنولوجية. التي حصرت تحليله في المسائل القابلة للوصف، وتطور من خلال أدوات أكثر علمية.

 

من هنا كان وضع المتوقعين (أو المقدرين) لنماذج اقتصادية ورياضية شديد السفسطة والمغالطة، وكان لومهم موجهًا للمستقبليين على رغبتهم احتواء كل شيء، وبالتالي فقدان الصرامة.. لكن هيهات، فمبالغة في تقييد التحليل، وجد المتوقعون أنفسهم غالبًا في تكذيب اكتفاء بالإشارة فقط إلى إغفالهم للقطيعات الجيوسياسية أو الاجتماعية أو الثقافية.

 

• أما التخطيط الاستراتيجي فقد عانى من ضعف ناتج عن مبالغة في قيمة الأهداف والمشاريع التي يمكن أن تتبناها دولة أو شركة دون تقدير عادل لتطور محيطها البيئي، وللضغوط الجديدة والفرص التي يمكن أن يوفرها لها ذلك التطور، ودون إعطاء العوامل الداخلية للإمساك أو الدفع الاهتمام اللازم.

 

أمام هذا الفشل للتوقع كحدس حول المستقبل، مدرك كتمديد سهل لبعض الاتجاهات الماضية، وأمام ذلك الضعف لدى التخطيط المتجاوز بشدة للتحولات الداخلية والخارجية للمقاولة، فإن المستقبلية لا تقدم حلاً.

 

إنها تذكر بأن المستقبل لم يصنع بعد، وبالتالي لا يمكن معرفته، وأنه سينتج ليس عن اتجاهات متعددة مشاهدة نوعًا ما وقابلة للوصف، ولكن عن تصرفات ومشاريع فاعليات اجتماعية فقط.

 

انطلاقاً من هذه الحالة فإن المستقبلي والمتوقع والمخطط يجدون أنفسهم في مواجهة نفس التحدي، ألا وهو السبق أو الابتسار (Anticipation) من أجل العمل، ولو أدى ذلك إلى تخلي البعض عن جزء من قوته ونشدانه العلمي والفلسفي من أجل التفكير جميعًا في الاستعمال المتكامل لأدواتهم.

 

لهذا نرى وباستمرار تطور خلايا للتفكير داخل الإدارات أو المقاولات مهما تعددت نعوتها الرسمية وتطبيقاتها تتلاقى في تخوم الطرائق الثلاث، البديهية التكامل.

 

وكل تخطيط استراتيجي محدد لأهدافه ووسائل عمله الضرورية يفترض – بادئ ذي بدء – حدًا أدنى من التأمل المستقبلي الاستكشافي حول بدائل المستقبل الممكنة المحتملة والمرجوة.

 

ومن ناحية أخرى، لا قيمة لنموذجٍ موصوف للمستقبلية إلا بفرضياته، وتحديدًا فإن مشاهد المستقبلية لها الفضل في تجلية مجموعة الفرضيات المتماسكة والمحتملة في الإطار الذي يمكننا من تشغيل النماذج فيه كما ينبغي.

 

وعلى نفس الشاكلة، فإن المشهد الموصوف لا نفع له إذا لم يترجم في وقت أو آخر إلى عينة من النتائج الملموسة (استمارات، عقود نتائج مالية، فرص للشغل...).

 

وللتقليص من غياب التأكد السائد في مختلف الميادين الجيوسياسية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية، ينبغي تعزيز التكاملات والتوافقات بين العائلات الثلاث: المستقبلية والتوقع والتخطيط الاستراتيجي، والعمل على إنهاء الصراعات بين الكتل المتبقية هنا وهناك.

 

فالسفينة المنطلقة في بحر هائج، تحت ضباب كثيف وعاصفة عارمة، هي في أمس الحاجة في نفس الوقت إلى الراصد (vigie) والدفة (gouvernail). هذه الجدلية بين الابتسار والفعل هي من الأهمية بحيث إننا لسنا فقط لا نخشى بفضلها الضلال، ولكن نتمكن من خلالها الوصول إلى هدف محدد، بيد أن قائمة الإمكانيات ما زالت مفتوحة بكفاية لتمكن من اختيار المستحبات.

 

المصدر: المسلم المعاصر - السنة 16 - العدد 61- محرم وصفر/ ربيع الأول 1412هـ / أغسطس- سبتمبر - أكتوبر 1991م



[1] الجزء الأول مقتبس من بحث غير منشور بالفرنسية تسلمناه شخصيًا من الباحث، هو عبارة عن موجز لمحاضرة ألقيت سنة 1977، وقمنا بترجمته إلى العربية، والثاني من محاضرة موضوعها "المغرب العربي سنة 2000" ألقيت بتونس وصفاقس يومي 11و12 يونيو 1982 تحت إشراف الجمعية المغربية للقاءات المغربية ونشرت بنصها الفرنسي وترجمتها العربية في إصدار مشترك بين الجمعية المغربية للمستقبلية وجمعية اللقاءات المغربية سنة 1982، ونشرت في غير واحدة من المجلات العربية، منها مجلة "المستقبل العربي" عدد 53، يوليوز 1983، ص ص4-17.

[2] "صور المستقبل العربي" د. إبراهيم سعد الدين، ود. إسماعيل صبري عبدالله، ود. علي نصار، ود. محمود عبدالفضيل، نشر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثانية، يناير 1985، ص24و25.

[3] "مستقبل الأمة العربية" التحديات، والخيارات، التقرير النهائي لـ"مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي" د. خير الدين حسيب، ود. سعد الدين إبراهيم، ود. إبراهيم سعد الدين، ود. علي نصار، ود. علي الدين هلال، مركز دراسات الوحدة العربية، ببيروت الطبعة الأولى، أكتوبر 1988، ص 40و41.

[4] وهو تعريف للأستاذ روي أمارا (Roy Amara) مقتبس عن ترجمة لمقال له إلى الفرنسية منشورة في مجلة (Futuribles) العدد 96، فبراير 1986، ص ص87 -91.

[5] (Futuribles) عدد 71 نوفمبر 1983. والتعريف لخبيرين من خبراء المستقبلية الفرنسيين وهما هوك دوجوفنيل (Hugues de Jouvenel) مدير مجلة (Futuribles) وميشيل غودي (Michel Godet) أستاذ مشارك بالمعهد الوطني للفنون والمهن بباريس، ومستشار علمي لدى مركز المستقبلية والتقدير (Centre de prospective et d، Evaluation) للصناعة والبحث بفرنسا، ومستشار أوروبي لمعهد "غاما" بمونرييال بكندا، ولكل من الخبيرين كتب وأبحاث هامة في ميدان دراسة المستقبل.

[6] الابتسار كلمة عربية أصيلة تعني القيام بالشيء قبل أوانه، وهو المراد بكلمة (anticipation) الفرنسية، ولقد كان ميلنا إلى كلمة "الابتسار" بدل كلمات "تقديم" و"تسبيق" و"توقع" التي تقترحها المعاجم لأنها أقرب إلى الدلالة على المراد بالكلمة المرادفة لها بالفرنسية، جاء في "لسان العرب" لابن منظور: "والبَسْر: الإعجال" وبَسَرْتُ الدُّمَّلَ إِذا عصرته قبل أَن يَتَقَيَّحَ (وهذا هو الهدف من ابتسار الزمن القادم، أي التفكير في أزمانه المحتملة قبل أن تقع، والمبادرة بعلاج أسبابها قبل أن تستفحل) وبَسَرَ حاجته يَبْسُرُها بَسْراً وبِساراً وابْتَسَرَها وتَبَسَّرَها طلبها في غير أَوانها (والمراد فعلا في علوم المستقبل والإعداد للغد – التفكير في مشاكل للمستقبل محتملة الوقوع قبل وقوعها بالفعل) وتَبَسَّرَ طلب النبات أَي حَفَر عنه قبل أَن يخرج، وبَسَرَ النخلة وابْتَسَرها لَقَّحَها قبل أَوان التلقيح" ومما يزيد من تمسكنا بهذه المقابلة للكلمة الغربية (anticipation) أن علوم المستقبل تريد نورًا في ظلمات الزمن القادم، وتبحث عن ضمانات ارتواء وسبل ذلك في أودية الغد المحتملة الجفاف، والابتسار يترجم تلك الإرادة وذلك البحث، يضيف ابن منظور: "وبَسَرَ النَّهْرَ إِذا حفر فيه بئراً وهو جافٌّ، وأَبْسَرَ إِذا حفر في أَرض مظلومة، وابْتَسَرَ الشيءَ أَخَذَه غَضّاً طَرِيّاً، وفي الحديث عن أَنس قال: "لم يخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قَطُّ إِلاَّ قال حين يَنْهَضُ من جلوسِه: اللهمَّ بكَ ابْتَسَرْتُ وإِليكَ تَوَجَّهْتُ وبكَ اعْتَصَمْتُ أَنتَ رَبِّي ورَجائي اللهمَّ اكْفِني ما أَهَمَّني وما لم أَهْتَمَّ به وما أَنْتَ أَعْلَمُ به مني وزَوِّدْني التَّقْوَى واغْفِرْ لي ذَنْبي وَوَجِّهْني للخَيرِ أَيْنَ تَوَجَّهْتُ"، (انظر "لسان العرب" لابن منظور، دار صادر، بيروت المجلد 4، ص ص: 57-59) وبما أن البسر والبسار والابتسار والتبسر كلمات مترادفة، وبما أن من معاني البسر معنى آخر مخالف للابتسار، وهو النظر بكراهة شديدة، فإننا نفضل استعمال كلمة "ابتسار" لكونها علاوة على ما تقدم، توحي بمجيئها على وزن "افتعال" بإرادة ذاتية مقصودة للفعل من طرف الفاعل، والابتسار في البعد الزماني إرادي ومقصود كذلك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات


 


تعليقات الزوار
1- ما أحوجنا إلى علم الاستشراف
طه مصطفى رمضان - السودان - بسلطنة عمان 20-03-2018 08:55 AM

لكم الشكر اجزله في توضيح أهمية هذا العلم خبايا هذا العلم ..
مازلت أسأل نفسي هل من علوم لم يتم اكتشافها ؟ يقولون أن ابن خلدون هو مكتشف علم الاجتماع ..فهل يا ترى من غير الكيمياء والفيزياء والتاريخ والجغرافيا م زالت في حجب الغيب .. آمل أن يكون علم الاستشراف والمستقبليات هو أحد العلوم المكتشفة والتي أن تمكن البشر من تطويرها والإلمام بخباياها وشفراتها، تكون له فتح عظيم في أسرار الكون والبشر على حد سواء.. لكم شكري وتقديري

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • مرئيات
  • لقاءات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • مواد مترجمة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة