المضطهدون في بلغاريا

المضطهدون في بلغاريا

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله.

وبعد، فإنَّ الذي يَنظر إلى واقع المسلمين على المستوى العالَمي يَحزن كثيرًا لِما هم فيه من ضعفٍ وهوان، بينما دينهم يريد لهم العزَّةَ والغلَبة، هذه حقيقة عرَفها أعداءُ الإسلام الملحِدون؛ عرفوا أنَّ الإسلام دينٌ قادِر على الإطاحَةِ بأنظِمَتهم والتصدِّي لمعتقداتهم الباطِلَة، فأعلَنوا عليه حربًا لا هوادَة فيها، وشجَّعهم ضعفُ المسلمين وذلُّهم وهوانهم على أن يَشتطُّوا في هذه الحرب، وأن يعلِنوا حقدَهم وحنقَهم على الإسلام والمسلمين، وإلَّا فبماذا نفسِّر ما يَحدث للمسلمين في بعض الدول التي لا تَدين بالإسلام؟!

والمثال الذي نقدِّمه اليوم لقرَّائنا عن أوضاع المسلمين في (بلغاريا)؛ كما تَناقلَتها الصِّحافةُ والإذاعة وأجهزة الإعلام العربيَّة والأجنبية، ممَّا أدَّى إلى أن أصدرَت بعض الدول العربيَّة بيانات تَستنكر فيها ما يَحدث في بلغاريا للمسلمين، كما قام وفدٌ من مَجلس المنظَّمات والجمعيَّات الإسلاميَّة بالأردنِّ بمقابلَة السَّفير البلغاري؛ حيث قدَّموا له مذكرةً في هذا الشَّأن.

وقد أُذيع الكثير عن أَوضاع المسلمين في بلغاريا، وما يُعانون منه من اضطهادٍ وكَبتٍ للحريَّات، ومنعهم من العِبادة حسب الأحكام الإسلاميَّة، ومحاولات تَنصيرهم؛ من ذلك:

1- قامَت الحكومة البلغاريَّة بإجبار السكَّان المسلمين الذين هم من أصلٍ بلغاريٍّ على إرسال أولادِهم إلى التعليم الإلزامي؛ حيث يبدِّلون أسماء الأولاد والذُّكور والإناث في البطاقات المدرسيَّة الرسميَّة، كما أنَّ الحكومة البلغاريَّة طالبَت الآباء والأمَّهات بتغيير أسمائهم الإسلاميَّة إلى أسماء بلغارية.

2- أصبح كلُّ مَن يَحمل اسم "محمد" مطاردًا من الدَّولة إلى الدَّرجة التي اضطرَّ فيها أصحاب هذا الاسم إلى تغييره.

3- قامَت الحكومة البلغاريَّة بمَنع النِّساء المسلمات من ارتداء الأزياء الإسلاميَّة المحتشمة، ومنعتهنَّ كذلك من وَضع غطاء على الرَّأس.

4- منعَت الحكومة البلغاريَّة ختانَ الأطفال الذُّكور؛ كما هو الشأن لدى المسلمين.

5- منعَت الحكومة البلغاريَّة فتحَ المساجد في كثيرٍ من القرى إلَّا مرة واحدة في الشَّهر، كما قامَت بتَحويل كثيرٍ من المساجد إلى متاحف؛ مثل مسجد "ين" في كيوستانديل، ومسجد "الوالي" في بلوفديف، ومسجد "إبراهيم باشا" في زغراد، أمَّا الجامع الكبير في صوفيا فأَصبح يسمَّى المتحف الوطني للآثار.

وقد كان عدَد المساجِد التي كانت قائمة في بلغاريا حتى نهاية الحكم العُثماني عام 1883 يَزيد على سبعة آلاف مسجد، لم يَبقَ منها الآن إلَّا عدد قليل، تمارَس فيه هذه التجاوزات.

6- أداء فريضة الحجِّ إلى بيت الله الحرام ممنوعٌ على مسلِمي بلغاريا.

7- تقوم الحكومةُ البلغاريَّة بجهودٍ كبيرة وواسعة لتَحويل المسلمين الذين هم من أصلٍ بلغاريٍّ إلى نصارى، حتى إنَّها تَمنع إقامةَ صَلاة الجنازة على الميِّت المسلِم، وتَجبر أهلَ الميت على وَضعه في صندوقٍ خشبيٍّ على الطَّريقة النصرانيَّة، كما تَمنع تشييع جنازة المسلِم بأعدادٍ من المشيعين، ولا بدَّ أن يرافِق الجنازة عددٌ من رجال المخابرات البلغاريَّة ومسؤولٌ عن الحزب الشيوعي.

8- أمَّا محاولة تَنصير المسلمين الذين هم من أصلٍ تركيٍّ فتتمُّ بالقوَّة بعد أن تَمنعهم الحكومة من أداء العِبادات الخاصَّة بالمسلمين.

9- دار الإفتاء الرئيسيَّة في صوفيا (الخاصة بالمسلمين) تَخضع لتعليمات دار الإفتاء المركزيَّة في الاتِّحاد السوفيتي، ولا يوجد أي اتصالاتٍ ما بين دار الإفتاء في صوفيا والمراكز الإسلاميَّة في البلاد العربيَّة، كما أنَّه يوجد في دار الإفتاء الإسلاميَّة في صوفيا ممثِّلٌ عن المجلس الرُّوحي الكنائسي في صوفيا بصورة دائمة.

أين الذين يتشدَّقون بالدِّفاع عن الحريَّات وحقوق الإنسان؟! إنَّنا نسألهم: هل يَسمح المجتمع الدولي بأن تتعرَّض فئةٌ من الناس للاضطهادِ والإرهاب بسبب ديانتها؟! ولماذا تمارِس الضغوطَ غير المشروعة والشاذَّة على هؤلاء المسلِمين؛ بالإيذاء، والتدخُّل في معتقداتهم الدينيَّة لحَملِهم على تَركها، وتغييرِ أسمائهم وألقابِهم، والتخلِّي عن مبادئهم الإسلاميَّة عن طريق محاربَتهم في أرزاقهم، والتضييقِ عليهم في سُبل العيش ومجالات العمل، والزجِّ بالبعض منهم في السُّجون دون ذنبٍ إلَّا أن يقولوا: ربُّنا الله؟!

إنَّ ما يلقاه المسلمون في بلغاريا وغيرها أمرٌ لا يُمكن أن يَقبله مسلمٌ، ولو كان المسلمون قوَّة من القوى العالميَّة الكبرى لعُمِل لهم ألفُ حسابٍ، ولكنَّهم الآن لو تَحرَّكوا فليس أمامهم إلَّا البيانات التي يُصدرونها بالاستنكار، وربَّما اعتبرها بعضُهم تدخُّلًا في الشؤون الداخليَّة لهذه الدول الملحِدة والكافِرة، وينسَون أنَّ السَّاكت عن الحقِّ شيطانٌ أخرس، فهل حقًّا وصلنا إلى درجة من الضَّعف والهوان نرى معها الإساءةَ إلى ديننا، ثمَّ نَقف موقفَ المتفرِّجين؟!

إنَّ المسلمين عليهم واجب مقدَّس، عليهم أن يَقوموا بهذا الدِّين مصحِّحين مناهجَهم وقوانينهم على ضَوئه، فلَم يصِبنا ما أصابنا من ضعفٍ وذلَّة إلَّا لأنَّنا ابتعدنا عن الإسلامِ وتفرَّقنا واختلفنا، ولو التفَفنا حولَ إسلامنا كتابًا وسنَّة وحولَ عقيدتنا الصَّحيحة لأصبحنا قوَّةً يخشاها أعداءُ الإسلام، يخشاها هؤلاء الذين انسَلَخوا من آياتِ الله؛ مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 175، 176].

وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

المصدر: مجلة التوحيد